تتكثّف الاشارات والرسائل الاميركية المباشرة وغير المباشرة نحو دور إيران وحزب الله. جديدها إشادة بدور الحزب وأدائه العسكري في سوريا، أمام زوار لبنانيين
لم يأت كلام وزير الخارجية الاميركي جون كيري، الذي لا يزال يتفاعل في لبنان والعالم العربي، خارجاً عن سياق «طبيعي» للأحداث وللمواقف الاميركية التي تذهب منذ أكثر من عام الى توضيح استراتيجيتها التي تعني مصالحها في المنطقة. من يراقب ويطّلع على مواقف الادارة الاميركية في الدوائر المقفلة، يدرك أن موقف كيري، وقبله بأيام الاعلان الصريح لمدير الاستخبارات الاميركية جون برينان عن عدم الرغبة في انهيار الحكومة والمؤسسات السياسية في دمشق، إنما هما تتمة لمواقف واشنطن منذ أن غيّرت مسار الحرب «الاميركية ــ الدولية» التي كانت على أهبة الاعلان عنها على سوريا بذريعة الاسلحة الكيميائية، ومنذ أن رسمت خطواتها المدروسة حيال إيران، تحت ستار الاتفاق النووي.
منذ أشهر طويلة والرؤية الاميركية نحو بقاء المؤسسات الرسمية السورية والجيش السوري تتضح تباعاً، كي لا تتكرر التجربة العراقية مع حل الجيش العراقي وما نتج منه. ومع اقتراب الاتفاق الايراني ــ الاميركي من التوقيع الأوّلي عليه، بدأت الاشارات والرسائل تنتقل الى مرتبة أكثر وضوحاً وعلانية في ما يتعلق بمستقبل سوريا وما يمكن لواشنطن أن تؤيده أو تغضّ النظر عنه، فيها وفي العراق ولبنان.
ما يعنينا في لبنان هو أنه يوماً بعد يوم يتضح أن دور حزب الله آخذ في التقدم دولياً، كما سبق أن تحدثت عنه دوائر القرار والديبلوماسية الغربية. لكن مع تطور المفاوضات الاميركية ــ الايرانية، ومع تغيّر المشهد العراقي بعد معركة تكريت، وما نتج من تحولات في الخطاب الاميركي تجاه إيران عسكرياً وسياسياً في المنطقة، واحتمالات المشهد السوري، بدا أن لحزب الله حصة في هذا التحول. وهو ما يتأكد في لهجة أميركية وخطاب جديد من نوعه.
وتنقل أوساط لبنانية مطلعة (لا صلة لها بقوى 8 آذار) لـ»الأخبار» معلومات موثوقة وكلاماً رسمياً قيل خلال لقاءات عقدت حديثاً في واشنطن مع زوار لبنانيين من مستويات عالية، عن إعطاء «ملاحظات إيجابية وإشادة بدور حزب الله وأدائه في محاربة التنظيمات الارهابية في سوريا».
لا تمر هذه العبارات مروراً عابراً خلال لقاءات مع معنيين أمنيين وسياسيين في العاصمة الاميركية، لكنها تبقى في الدوائر المقفلة، إذ لا يمكن للولايات المتحدة أن تعبر عنه علانية، وخصوصاً في خضم أزمة الادارة الحالية داخلياً مع الجمهوريين على خلفية الاتفاق مع إيران. وبالنسبة الى واشنطن، لم يحن الوقت بعد، حتى وإن حاورت طهران، لأن تقدم رؤية مختلفة لعلاقتها مع حزب الله، لا باعتبارها إياه تنظيماً إرهابيا فحسب، بل بسبب وجود ملفات عالقة معه تتعلق بتفجيري المارينز والسفارة الاميركية في بيروت وخطف رهائن أميركيين.
لكن هذه الملفات العالقة، بحسب معلومات هذه الاوساط، لم تمنع مسؤولين أميركيين من الكشف «عن اتصالات تمت منذ نحو سنة مع مقربين من حزب الله وبعيدين عن الاضواء، خارج لبنان، واقتصرت على البحث في الوضع السوري».
يشكل الوضع السوري قاعدة أساسية، حتى الآن، لأي رؤية أميركية جديدة تجاه حزب الله، وخصوصاً لجهة التنظيم العسكري والاستخباري والامني الذي استثمره في سوريا، في مواجهة تنظيم «داعش» و»جبهة النصرة». ويمثل هذا العامل عنصراً جوهرياً في مقاربة الولايات المتحدة ورؤيتها لمنطقة الشرق الاوسط، بعد تصاعد خطر تنظيم «داعش».
ومما لا شك فيه أن تجميع حزب الله لأوراق في يديه، في خضم التحولات في المنطقة، ومحاولات فرض توازن بين محورين، سيدفع الافرقاء اللبنانيين الى مراجعة جدية للوضع الداخلي، ولمواقف واشنطن مما يجري في لبنان وما هو مقبل عليه، إذ لا يعقل أن يبقى الوضع السوري وحده محور العلاقة المستجدة بين الطرفين، وخصوصاً أن تطورات سوريا العسكرية تلامس الحدود اللبنانية، مع الاحتمالات بقرب معركة حزب الله والجيش السوري مع «داعش» و»النصرة»، ما سيرتد حكماً على لبنان.
فحتى الآن، لا تزال واشنطن مصرّة على عنوان وحيد لا تتراجع عنه، أشبه بلازمة تتكرر في كل اللقاءات التي تعقد بعيداً عن الاضواء، وهو استقرار لبنان وضمان أمنه. لكن أبعد من ذلك، هناك مخاوف لدى حلفاء واشنطن التقليديين في لبنان، تكمن في ما سيتبع الأداء الاميركي الجديد في الشرق الاوسط، وانعكاسه على لبنان، ولا سيما إذا ترجمت واشنطن إشارتها الايجابية تجاه حزب الله عملياً. فالادارة الاميركية، اليوم، لا تشبه بشيء الادارة التي ساهمت في القرار الدولي 1559، وكان الانسحاب السوري وسلاح حزب الله نصب عينيها. وخشية هؤلاء، وهم من معارضي حزب الله، أن تشبه هذه المرحلة، مع الادارة الحالية، مرحلة « تلزيم لبنان» لسوريا، بعد عام 1990 وما رافقها من تبدلات جوهرية في تعاطي واشنطن مع لبنان. فما حصل حتى الآن من متغيرات في علاقة واشنطن بطهران، رغم الامتعاض الاسرائيلي، ومعارضة السعودية ودول الخليج، يؤشر بوضوح الى أن القرار الاميركي لا رجوع عنه. وقد لا يتعلق بالعراق وسوريا فحسب، ويكون التبدل في اللهجة حيال حزب الله أول الغيث.