IMLebanon

خِدَعٌ باسم “داعش” وخدعٌ تتخطّى “داعش”

توجيه الغرب لسيوفه نحو “داعش” بعد قيام “التحالف الدولي” يُنتِج مشهداً معقّداً بدل أن يكون واضحاً عبر الهدف الصريح الذي يعلنه ضد هذا التنظيم المتطرف. لماذا التعقيد بدل الوضوح؟

إيران التي من المفترَض أن “داعش” قامت ضدها ووجّهت لها أكبر ضربة سياسية عسكرية يتعرّض لها “المحور الشيعي” الذي تقوده من طهران إلى صور عبر “سلخ” الامتداد الجغرافي لهذا المحور و”قَطْعِه” في منطقة الأنبار العراقية… هذه الإيران تعارض الضربة العسكرية على”داعش” خوفاً من احتمال أن يكون إدراج سوريا في منطقة عمليات الضربة خدعة لضرب حليفها النظام السوري.

تركيا التي شكّلت المعبر البرّي المنظّم لكل مسلّحي المعارضة السورية منذ العام 2011 ولا سيما مسلّحي التنظيمات الإسلامية المتشدّدة والتي انطلقت من أراضيها الكتل البشرية الأساسية التي تشكّلت منها “داعش” والتقتْ “الواشنطن بوست”قبل أسابيع أحد قياديّي “داعش”على أراضيها معترفاً للمراسل في 12 آب المنصرم أن قياداتٍ كبيرةً في التنظيم لجأت إلى مستشفيات تركية بعد إصابتها في معارك، كما قال بالحرف الواحد ان معظم مقاتلي “داعش” جاؤوا عن طريق تركيا في بداية الحرب وكذلك المعدات العسكرية والعتاد… هذه التركيا ترفض المشاركة الرسمية في “التحالف الدولي” بل ترفض بعض مستويات التعاون معه بحجة وجود “الرهائن “الأتراك لدى “داعش” في الموصل مع أن معلوماتٍ من مطّلعين على سياسات “حزب العدالة والتنمية”ا لحاكم تقول أن المجموعة كانت قبل “احتجازها”بعثة أمنية بغطاء ديبلوماسي وانها لا تزال تمارس عملها بصورةٍ أو بأخرى.

الولايات المتحدة الأميركية التي شجّعت عملياً عسكرة الثورة السورية كانت تعرف منذ وقتٍ مبكر أن مركز الثقل الأساسي بين مسلّحي المعارضة السورية أصبح بيد الإسلاميّين المتطرّفين وكان قرارها السياسي هو التعاون مع هذه المجموعات.

المملكة العربية السعودية التي كانت تربطها علاقات مع “جبهة النصرة” وبعضٍ غيرها من التنظيمات السلفيّة هي اليوم الدولة التي ستدرِّب على أراضيها عناصر المعارضة المفترض أنها “معتدلة” وتلعب دوراً محوريّاً في التحالف الدولي… هذه السعودية هل كان يمكن لها أن تدخل وبحماس في هذا المحور الدولي من دون قطبة مخفية تتعلّق بإضعاف النظام السوري وبالتالي إيران؟

الحكومة العراقية التي تربطها علاقات راسخة وثابتة بإيران ووزير خارجيّتها الذي شارك في اجتماعي جدة وباريس هو قائد جناح أساسي في “حزب الدعوة” الشيعي الإسلامي الحاكم مثل رئيس الوزراء الذي جيء به من صفوف التنظيم الأساسي لـ”حزب الدعوة”… هذا العراق الشيعي (والكردي) الرسمي من المفترَض أنه صاحب المصلحة الأساسية في استئصال “داعش” إذا كان استئصالها يعني عودة السلطة إلى حكومة بغداد في المناطق السنّية. لكنْ هل من ضمان أن لا تؤدّي الضربة إلى صيغة استلام العشائر السنية برعاية أميركية ودور تركي يكرّس “معادلة داعش من دون داعش” أي مناطق سنّية تحت الإشراف التركي والسعودي بالتساوي مع الإشراف الإيراني على المناطق الشيعّية العراقية؟ ألا يصلح هذا الاحتمال ليكون سبباً إضافيا لعدم مشاركة إيران في عرسِ استئصال “داعش”، عرسٍ لا حصة لها في جبنته الأولية؟

من يخدع من؟

لا شك أن الغرب هو سيد اللعبة الداعشية التي تستعاد على الطريقة الأفغانيّة. الولايات المتحدة تُطلق زخم التيارات الإسلامية بدءاً من الاستقبال الشهير لقادة المجاهدين الأفغان في البيت الأبيض من قبل الرئيس رونالد ريغان في الثمانينات من القرن المنصرم، والولايات المتحدة المؤسِّسة للزخم الأصولي هي نفسها التي تقود اليوم، كما فعلت في أفغانستان ضد “طالبان”، الحرب على الإرهاب الأصولي. السعودية داعمة في الحالتين، مع فارق حذرها من النتائج، إيران مراقبة لـ”داعش” المعادية لها مثلما راقبت في التسعينات “طالبان” التي كادت تشن حرباً على الجمهورية الإسلاميّة عبر الحدود الأفغانيّة الإيرانيّة.

من يخدع من في الصراع مع خدعة تُسمّى “داعش”؟

خِدَعٌ في مسار يلعب بمصير ملايين البشر وبأشكال مختلفة، حتى ليمكن القول ان الفرق الأساسي بين اليوم ومرحلة “سايكس – بيكو” هو أنه آنذاك كانت القوى الغربية المنتصرة تتقاسم المنطقة ونفطها أما اليوم وبسبب الانحطاط المريع للقوى المحلية في ميزان القوى فإن المنطقة هي التي تتنافس على “اقتسام” القوى الغربية وتسليم “البلاد” لها!