لم تكن مضت ساعات على «اللقاء الثلاثي» الذي جمع الرئيس نبيه بري والرئيس سعد الحريري الى طاولة عشاء رئيس اللقاء الديموقراطي النائب وليد جنبلاط في داره الأخير في كليمنصو ليل الاحد الماضي، حتى أطل مفوض الاعلام في الحزب التقدمي الاشتراكي رامي الريس في حديث تلفزيوني، مؤكداً ان «اللقاء ليس موجهاً ضد أحد..» لافتاً الى ان «أي تقارب بين فريقين لبنانيين يسهم في تنفيس الاحتقان الداخلي..».
ليس من شك في ان «اللقاء» اثار العديد من الأسئلة والتساؤلات حول التوقيت وصول اختصار اللقاء على الثلاثة، والى جانبهم «الثلاثة الأخيار»، وزير المال علي حسن خليل، والنائب وائل ابو فاعور وتيمور وليد جنبلاط.. ولم يصطحب الرئيس الحريري أياً من أخياره.. خصوصاً وأنها من المرات النادرة جدا «يغامر» فيها الرئيس بري ويخرج من دارته في عين التينة «لدواع» غالباً ما يقال إنها «أمنية».. كما حول الهدف من هذا اللقاء، الذي جاء عشية انعقاد الجلسة النيابية التشريعية، التي خلصت أول من أمس، الى لائحة منقحة لسلسلة الضرائب المفترض أنها لتمويل سلسلة الرتب والرواتب..
البيان الذي صدر عقب اللقاء كان واضحاً، حيث جرى استعراض الأوضاع المحلية والتطورات الاقليمية، حيث تم التأكيد على ضرورة بذل كل جهود لأجل حفظ الاستقرار وتحصين الساحة الوطنية ازاء كل الأخطار المحدقة بالوطن وتفعيل عمل المؤسسات لما فيه مصلحة الوطن والمواطن..»؟!
في قراءة عديدين من المراقبين، أنه من المبكر قراءة اللقاء على أنه بداية «تحالف ثلاثي» بين الأقطاب الثلاثة، ولبنان على أبواب استحقاق الانتخابات النيابية التي يشدد الأفرقاء السياسيين كافة على وجوب اجرائها في موعدها في ايار المقبل.. وفي مقدم هؤلاء الرئيس نبيه بري والرئيس العماد ميشال عون.. وقد تميز بري عن سائر الداعين الى وجوب اجراء هذه الانتخاب بتقديم تنازلات تقنية «لتجري بشكل طبيعي وكالمعتاد في أماكن تسجيل النفوس وببطاقة الهوية وجواز السفر..» كما أنه من باب تسخيف اللقاء القول إنه جاء «لتسيير أمور الجلسة التشريعية (أول من أمس).. او لتأكيد المصالحة بين الثنائي الحريري وجنبلاط.. وهو، وبالنظر الى ما يمثله القادة الثلاثة، يتخطى اليوميات والتفاصيل السياسية الداخلية في هذا البلد.. لاسيما وأنه جاء متقاطعاً مع الطلة الاعلامية الأخيرة للأمين العام لـ»حزب الله» السيد حسن نصر الله، وما حملته كلمته من رسائل في أكثر من اتجاه، الى الداخل كما الى الخارج.
حرص القادة الثلاثة على ان لا يكون اللقاء سريعاً وبعيداً عن الاعلام.. وهم يدركون الأهمية في ذلك، في ظل «الكباشات الاقليمية» التي تركت في الداخل اللبناني تداعيات، ماتزال في قناعة البعض قابلة «للضبضبة»..
قد يكون من السابق لأوانه الحكم على نتائج «اللقاء الثلاثي» والأبواب المفتوحة أمام لقاءات أخرى، قد تتسع دائرتها، أكثر مما يتصور البعض.. لاسيما وأن الرئيس بري يدرك بما لديه من معطيات، خارجية وداخلية، وبانفتاحه على كل قادم من الخارج، وعلى كل راغب من الداخل، ان ظروف لبنان الداخلية لا تسمح الذهاب بعيداً في أي عبث سياسي واعلامي، كما وأمني.. وهو كان أوعز الى عديدين مقربين منه ومحسوبين عليه، من مرجعيات دينية او سياسية العمل قدر المستطاع لدعوة السياسيين «بالابتعاد عن الخطاب المتشنج والاقلاع عن السجالات العقيمة والاحتكام الى صوت العقل والتزام النهج المعتدل.. في ظل الصخب والاضطراب الذي يحيط بالمنطقة ويهدد أمنها واستقرارها، بل ووحدتها..»؟!
يتقاطع اعتدال الرئيس بري مع الاعتدال الذي اعتمده الرئيس الحريري منذ وقت غير قصير.. وهو يدرك أنه يدفع ثمن ذلك في غير مكان، من غير ان يمس ذلك بقناعته وخلاصتها «ان المرحلة السابقة التي سادت فيها خلافات سياسية انتهت ولا حاجة اليها، والحكومة الحالية أثبتت أنها موحدة وقادرة من خلال وحدتها على معالجة الكثير من القضايا المطروحة واتخاذ قرارات في شأنها.. ونحن نواجه الارهاب كما يواجهه العالم أجمع.. وقد حقق الجيش اللبناني انتصارات كبيرة ونريد ان نعزز قوة الجيش والقوى الأمنية والعسكرية لتقوية الدولة..» وهو، وعند كل مناسبة يذكر أننا منذ البداية انتهجنا سياسة النأي بالنفس وتحييد لبنان عن الصراعات الدائرة في المنطقة.. مشدداً على «ان لبنان ليس جزءاً من أي محور..».
الآتي من الأيام سيكون دليلاً على ان «خريطة الطريق» التي رسمها الرئيس الحريري، ستكون أساس تعزيز «اللقاء الثلاثي» بمزيد من القوة والاتساع.. الأمر الذي يعطي الرئيس بري جريمة دعم اضافية لمصارحة قيادات «حزب الله» والعمل بكل ما أوتي من رصيد لتأكيد خطر التوغل بعيداً في «الكباش الايراني – السعودي» ووضع لبنان على خط هذا الكباش، على نحو ما آلت اليه الأمور مع مواقف السيد نصر الله، التي دأب عليها منذ مدة غير قصيرة..
لا أحد ينكر ان للرئيس بري حساباته، وان للرئيس الحريري حساباته، كما وان لجنبلاط حساباته، والجميع يتقاطعون عند نقاط مفصلية من أبرزها تجنيب وقوع لبنان في افخاخ المحاور الاقليمية والعمل بكل المستطاع لتوفير أجواء تساهم في اجراء الانتخابات النيابية في وقتها بعيداً عن أي اغراءات او ضغوطات.. والجميع يدرك العواقب، اذا ما ركب البعض رؤوسهم ومضوا في سلوكياتهم ومواقعهم التي لا يجني لبنان منها سوى الويلات..