فشلت محاولات قوى سياسية لبنانية لا سيما من كانوا 14 آذار او يطلقون على انفسهم «السياديون» او مجموعة العبور الى «الدولة» من خلق شرخ بين الجيش والمقاومة، تحت شعار ان الجيش وحده قادر على مواجهة قوى الارهاب، انطلاقاً من تحرير جرود القاع ورأس بعلبك، واظهار المقاومة المتمثلة بـ«حزب الله» انها انزعجت من النجاح الذي حققه الجيش في عملية «فجر الجرود».
هذا ما يسعى اليه الفريق «السيادي» والذي منه من كان صاحب شعار «قوة لبنان في ضعفه»، في بداية السبعينات من القرن الماضي، والذي تسبب بانقسام سياسي، ومهد للحرب الداخلية، حيث كان العدو الاسرائيلي يعتدي على لبنان ويدخل مطاره وينسف طائراته ويصل الى عاصمته ويغتال ثلاث من قادة منظمة التحرير الفلسطينية» ويقصف البلدات في الجنوب والمخيمات، دون رادع، يقول قيادي في احد الاحزاب الوطنية، الذي يؤكد ان المقاومة باتت ترى لها شريكاً بدأ يقوى هو الجيش، وهي ابداً لا تريده خصيصاً، لانه احد اقانيم ثلاثية الجيش والشعب والمقاومة، ولقد اختلفت النظرة اليه عما كان عليه الوضع قبل الحرب الاهلية التي تسبب بها، من اراد الجيش ان يكون حامياً للنظام السياسي وللطبقة الحاكمة باسمه، ولم تكن له عقيدة قتالية، وبنوا نظريتهم على ان صداقات لبنان الدولية تحميه، وانتشار قوات دولية عند الحدود تدافع عنه، ليتبين سقوط هذه النظرية، التي انتشرت بعد صدور القرار 425 في اذار 1987، بعد اجتياح الجنوب حتى حدود نهر الليطاني، ولم تفرض على قوات الاحتلال الاسرائيلي الانسحاب، ودخول الجيش الذي منع من قبل العدو الاسرائيلي، ووقف في كوكبا، ليحل محله ميليشيا عميلة للاحتلال بقيادة الرائد سعد حداد الذي اقام «دويلة له»، واستمرت وزارة الدفاع وقيادة الجيش تدفع له راتبه ورواتب عناصره المتعاونين مع الاحتلال الاسرائيلي، وبتغطية سياسية من اطراف لبنانية.
هذا هو الجيش الذي كان قبل اتفاق الطائف، والذي خرج منه عميلان للعدو الاسرائيلي سعد حداد وانطوان لحد، ولم تكن له عقيدة قتالية، الا من خلال مواجهات محدودة حصلت، بمبادرات فردية من ضباط وافراد وطنيين كانوا في الجيش الذي فرضت اتفاقية الهدنة عدم وجود سلاح معه في الجنوب، ومنعت الحكومات المتعاقبة من تسليحه، يقول القيادي الذي يؤكد على انه بعد اتفاق الطائف تسنى لهذا الجيش ان يكون له قائد هو العماد اميل لحود الذي بناه على اساس وطني وتوجيه عسكري على ان اسرائيل هي العدو، وان المقاومة صديق وحليف، ورفض ان ينفذ قراراً لمجلس الوزراء في تموز 1993. ان تنتشر قوات من الجيش في الجنوب لتحل مكان المقاومة، واعتبر هذا القرار فخاً سياسيا نصب للجيش ليصطدم بالمقاومة، فلم يقبل ان يقع فيه، واعتكف في منزله على طريق الاستقالة، لكن تدخل سوريا عبر الرئيس حافظ الاسد، هو من اعطى الحق للعماد لحود، وهو ما مهد له الطريق الى رئاسة الجمهورية.
الا ان نجاة الجيش من الفخ المنصوب له، حاولوا استدراجه اليه بعد شهرين في 13 ايلول 1993، عندما كان «حزب الله» يتظاهر ضد اتفاق اوسلو، فحصل صدام مع الجيش عند جسر المطار في الغبيري، كان وراءه قرار سياسي، من قبل قوى نافذة في حكومة الرئيس رفيق الحريري آنذاك، لكن الجيش تجاوز مع «حزب الله» هذا القطوع، لتدخل مرحلة تنسيق بينهما، ونجحت طيلة سنوات، ولم يتخللها سوى حادث تقني باسقاط طائرة للجيش يقودها الضابط سامر حنا، وجرى تجاوز يقول القيادي المذكور الذي يشير الى الاستغلال الدائم لهذا الحادث، وكل ذلك للايقاع بين الجيش والمقاومة.
فالانتصار الذي حققه الجيش في جرود السلسلة الشرقية، كان محل اشادة وتقدير من قبل الامين العام «لحزب الله» السيد حسن نصر الله، الذي كشف في طلّته الاخيرة، على ان الحزب كان دائماً يحث قيادة الجيش على ان تقوم بمهمه اخراج الجماعات الارهابية من عرسال وجرودها، ومن كان يقف وراء منعه هم فريق 14 اذار، والجميع يذكر عندما داهم الجيش مخيماً للنازحين السوريين في عرسال وفجر ارهابيون من داخله انفسهم بدورية الجيش، كيف قامت حملة على الجيش، لان اربعة موقوفين توفوا اثناء التوقيف والتحقيق، ومن اجل تعطيل عملية عسكرية للجيش لطرد الارهابيين يقول القيادي الذي يذكر كيف تم منع تنفيذ الجيش لمهمة تحرير العسكريين المخطوفين من يد «جبهة النصرة» وتنظيم «داعش» والذين خطفوا على مرأى اهالي عرسال الذين تواطأ افراد منهم ضد الجيش وقوى الامن الداخلي، حيث وقعت الحكومة تحت تأثير الخوف والجبن من ان قيام الجيش بتحرير العسكريين ستكون مكلفة على المدنيين والعسكريين، وان مثل هذه العملية ستغضب الشارع السني، بان عرسال تهاجم وان الجيش يقوم بهذه العملية لصالح «حزب الله» لان البلدة احتضنت «ثواراً ومعارضين للنظام السوري.
فالفريق الذي يدعي انه حريص على الجيش ليس حباً به، بل لسلخه عن المقاومة، وانه اظهر قوته، ولا لزوم لسلاحها، وان الثلاثية سقطت لصالح اخرى هي «الدولة والجيش والشعب»، التي ابتدعها رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع، لكن الوقائع على الارض هي عكس ما يتمناه جعجع، والخير اليقين عند رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، الذي وهو القائد الاعلى للقوات المسلحة، وقائد سابق للجيش يعرف كل التفاصيل، يقول القيادي الذي يؤكد ان مطلب تسليح الجيش وبنائه بناءاً سليماً على اساس وطنية، وتسليحه تسليحاً على مستوى ما تسلحت به المقاومة، عندها هذا هو الجيش الذي بدأنا نراه.