هل من تزامن بين رد فعل تيار المستقبل على حملة حزب الله ضد الفساد، وبين ارتفاع الضغوط الخارجية على الحزب؟ سؤال يطرح نفسه بقوة في ظل ارتفاع منسوب التحريض الداخلي والخارجي على نحو يثير «الريبة» حول اهدافه وتداعياته، وهو ما دفع مصادر سياسية بارزة مقربة من حزب الله الى وصف ما يجري بانه «عدوان ثلاثي» يتعرض له الحزب في فترة شديدة الحساسية في المنطقة التي تشهد «مخاض» تثبيت التوازنات السياسية والعسكرية بعد سنوات «عجاف» كاد يخسر فيها محور المقاومة معركته في سوريا والعراق، واليوم بعد حسم هذه المعركة ثمة من يريد مجددا العودة الى استهداف حزب الله لاضعافه بهدف التعويض عن الخسارة الاستراتيجية في الجبهات الاخرى…وواشنطن تعد حلفائها «بافقاره» خلال 6 اشهر…فهل سيتراجع الحزب عن خياراته في الداخل والخارج؟
هذا السؤال لا يحتاج الى كثير من الجهد والمتابعة لادراك ان قيادة حزب الله اتخذت قرارا حاسما بالمضي قدما في تفعيل دور الحزب داخليا من خلال استراتيجية مكافحة الفساد، فعندما يضع السيد حسن نصرالله هذا الامرعلى عاتقه فهذا يعني حكما ان اي محاولة للتراجع غير واردة شكلا ومضمونا، لانه ما اعتاد ان يضع مصداقيته على المحك، وهو ليس في وارد المقايضة على هذه المسألة مهما اشتدت الضغوط الداخلية المتزامنة مع اشتداد «الحرب الاقتصادية» الخارجية..
ووفقا لتلك الاوساط، فلدى الحزب ادراك كامل بطبيعة المخاطر التي تنتظره في المرحلة المقبلة، وهو يملك ادلة حسية على وجود عملية تطويق ممنهجة يجري العمل عليها بالتنسيق بين الداخل والخارج، واذا كان البعض من المسؤولين عن الفساد ونهب المال العام «يتحسسون» رؤوسهم خوفا من «يوم الحساب»، فان الدوائر الخارجية وفي مقدمتها واشنطن مهتمة على نحو خاص بعدم تحقيق الحزب اي انجاز داخلي يستطيع من خلاله تقديم انجازات تساعده على «فك الطوق» عنه، وهو ما تعمل عليه السفارة الاميركية في بيروت عبر السفيرة اليزابيت ريتشارد التي حرصت في جولاتها الاخيرة على المسؤولين اللبنانيين على تضييق الخيارات امام حزب الله من خلال وضع «فيتوات» ورسم «خطوط حمراء» تمنع الحزب من الاستفادة من «طحشته» الحكومية وخصوصا بعدما ابدت ايران استعدادها لتقديم المساعدة المطلوبة.. وقد استخدمت في هذا السياق سياسة «العصا» و«الجزرة»حيث نبهت من التعامل مع الايرانيين وجاءت في المقابل بعروض موازية من خلال ضم مسؤولين عن ملفات اقتصادية الى الوفد الذي كان يجول معها «موحية» بان بلادها مستعدة لتعويض الرفض اللبناني للعروض الايرانية، وقد اجرت وزارة الخارجية الاميركية مروحة اتصالات مع الحلفاء لحثهم على «تطويق» العروض الايرانية وكانت السعودية ومصر في طليعة «الطحيشة»…
في هذا الوقت، دخل تيار المستقبل «بثقله» على خط وقف اندفاعة حزب الله في ملف الفساد، فتحرك الرئيس سعد الحريري باتجاه عين التينة على نحو مفاجىء، ملمحا الى ان «التضامن الحكومي» سيكون في خطر اذا ما استمرت الامور على هذا المنوال، فيما بدأ الرئيس فؤاد السنيورة اعتماد سياسة «هجومية» «استباقية» على الحزب الذي لم يسميه اصلا، وواكب اعلام «المستقبل» خروجه عن «صمته» بحملة «دعائية» تحاول نقل النقاش من «مربع» الحرب على الفساد الى «مستنقع» الاستهداف السياسي والطائفي والمذهبي، ذلك اان «التيار الازرق» يرغب في «وأد» الحملة قبل ان تتطور مفاعيلها وتصبح غير قابلة «للفلفة»، لكن ثمة هدف آخر وهو ارضاء دول الرعاية الغربية – والعربية التي تخوض حرب «خنق» الحزب، وهذا ما يمنح رئيس الحكومة السابق وتياره السياسي «السند» الخارجي الذي يتيح له «المناورة» داخليا لحماية نفسه من جهة، وخوض الجزء الخاص به من «استراتيجية» محاصرة حزب الله في سياق مواجهة «ناعمة» ودون «صدام»… من جهة ثانية…
وفي هذا الاطار، يتحدث الاميركيون عن مهلة ستة اشهر ستكون كافية برايهم لحدوث «تصدعات» بنيوية في «جسم» حزب الله بسبب الاجراءات الاقتصادية والمالية التي تتجه نحو المزيد من التصعيد في الاشهرالقليلة المقبلة، وبحسب تسريبات دبلوماسية تعتقد واشنطن ان «الشح» المالي سيؤدي حكما الى اضعاف الحزب ، وتقلص نفوذه في الاقليم، وحتى داخل «بيئته الحاضنة»، ويعول الاميركيون على ازدياد «جرعة» العقوبات على ايران في ايار المقبل، فضلا عن اجراءات موازية على اكثر من صعيد بحيث يعتقدون انها ستكون «مؤلمة»، خصوصا ان توسيع تلك العقوبات سيشمل بعض حلفاء الحزب وليس فقط «بيئته» في لبنان والخارج، وثمة تعاون مرتقب من بعض دول الخليج وفي مقدمتها السعودية والامارات للمساعدة على «اغلاق» ما تسميه واشنطن «قنوات تمويل» غير مباشرة يستفيد منها الحزب..وفي هذا الاطار، تشير تلك الاوساط الى ما يحصل جزء من نتائج مؤتمر وارسو، وثمة رغبة اميركية لمواكبة الجهود الدولية ضد ايران ونفوذها المتنامي في المنطقة، باضعاف حزب الله باعتباره،احد اهم «اذرعها» الفاعلة، ومن هنا يمكن فهم ترويج حلفاء واشنطن لمقولة ان هذه الخطوة ستكون «اول الغيث».. !
وفي هذا الاطار، تشير المصادر المقربة من حزب الله الى ان ما يجري بات واضحا ولا يحتاج الى الكثير من التحليل، فالوقائع تشير الى وجود «عدوان» مثلث الاطراف تقوده واشنطن، والتحقت به لندن مؤخرا، وقوامه ضغط اقتصادي وسياسي عبر التصعيد المتدرج في العقوبات، وضغط عسكري تتولاه اسرائيل على الحدود عبر رفع منسوب التوتر من خلال المناورات العسكرية المستمرة، وآخرها «همروجة» «درع شمالي»، اما الضلع الثالث فيتولاه حلفاء الولايات المتحدة في الداخل لمنع حزب الله من تحقيق الانجازات والخروج بصورة «المنقذ»…ولذلك فان المرحلة المقبلة ستكون حافلة بتصعيد سياسي-مذهبي ممنهج «لفرملة» اندفاعة الحزب في «معركة الفساد»، وازدياد في الضغوط الاسرائيلية.. اما الادارة الاميركية فلديها «اجندة» «وبرنامج عمل» لما تعتبره «تجفيف» منابع تمويل الحزب..
وازاء هذه «النوايا» «الخبيثة»، تشير تلك الاوساط الى ان لكل فعل سيكون هناك في مقابله رد فعل، خصوصا في مواجهة التهديدات الاسرائيلية والضغوط الاميركية البريطانية، وقد بدأ حزب الله تنفيذ «الخطة باء» لمواجهة الحصار المالي وستكون نتائجه ايجابية قريبا، ولذلك فان مسألة المهل الاميركية «لافقار» حزب الله واضعافه فهي دون اي معنى وتشبه الرهانات السابقة والمهل التي كانت تحدد لسقوط النظام السوري..وهذا يعني انهم سينتظرون طويلا ودون اي جدوى… اما داخليا،فنجاح عمل الحكومة مرتبط بتعاون رئيسها مع عملية مكافحة الفساد، فاذا اختار «التعمية» السياسية «والمراوغة» على اساس «عفى الله عما مضى» فان حزب الله سيكون مضطرا الى الانتقال الى «الخطة باء».. واذ ترفض المصادر الكشف عن مضمونها، فهي تشير الى ان التيار الوطني الحر سيكون امام «امتحان» مساندة الحزب في «معركته»، او حماية «التسوية» مع الرئيس الحريري..ولكل من الخيارين ثمنه…