رحل فؤاد بطرس، رحيل الأفذاذ في السياسة.
وغاب عن لبنان، غياب الكبار.
حمل معه خمساً وتسعين سنة، ومضى.
ظل طوال حياته اصلاحياً بالفطرة.
من المحاماة وفيها كانت شهرته.
والى القضاء انتسب، وفيه لمع نجمه، وابتسم له الحظ.
ومنه تقلّب في أعلى المناصب، وأصبح وزيراً، لا بل من أهم وزراء خارجية لبنان.
قبل رحيل مكتشفه بثلاث ساعات، زار فؤاد بطرس الرئيس فؤاد شهاب في منزله في جونيه.
كان هدفه من زيارة الوداع، الوفاء، أن يقول للأمير اللواء، إنه مثل أيقونة أعطت الأمل للبنان، بغدٍ أفضل.
لكن رئيس الجمهورية كان يستعد لمغادرة لبنان الى دنيا الفناء، ويردد في العام ١٩٧٣: أنا خائف على الوطن، هذه المرة لن يكون ثمة لا غالب ولا مغلوب، بل مغلوبان كبيران هما السيادة والاستقلال.
عرف فؤاد بطرس، ما كان يردده المعلم، عندما كان وزيراً لخارجية لبنان، في عهد خلفه شارل حلو، وما بعده من عهود.
***
كان فؤاد بطرس قاضياً في المحكمة العسكرية، عندما زاره وزير الدفاع الأمير مجيد ارسلان ومعه قائد الجيش اللواء فؤاد شهاب.
سأله الأمير عن سبب ردّه لطلبات الوزير، وهي بمثابة أوامر.
وردَّ القائد الشهابي، بأن القضاء نوعان، الجالس والواقف، ولا يجوز للوزير أن يخلط في أوامره بين القضاء الواقف والقضاء الجالس، لأن الدستور لا يجيز ذلك.
عندما أصبح فؤاد شهاب رئيساً للجمهورية، في العام ١٩٥٨، تألفت الحكومة الأولى في عهده برئاسة الرئيس رشيد كرامي.
لكن طريقها الى البرلمان كانت مقطوعة.
ويقال أن العميد ريمون اده، أرسل اليه نصيحة بتأليف حكومة رباعية ضمت رشيد كرامي رئيساً والوزراء حسين العويني وبيار الجميل وعميد الكتلة الوطنية.
وأعدمت تلك الحكومة، التكميل واستقال العميد بعد انجاز مهمته.
عندها لمع في ذهنه ذلك القاضي، الذي دافع عن الدستور، أمام الأمير مجيد ارسلان وبحضوره.
تمنى فؤاد شهاب على الاستاذ الياس سركيس المدير العام لرئاسة الجمهورية، أن يبحث له عن ذلك القاضي الجريء.
اهتدى اليه الاستاذ، وتبين له أنه محام، ولم يعد قاضياً.
اتصل به واتفقا على اللقاء في مقهى يقع في محلة فرن الشباك وتوافقا على الملابس للاهتداء كل منهما الى الآخر.
وبعد اللقاء طلب منه الياس سركيس أن ينتظر هاتفاً في اليوم التالي من رئيس الجمهورية، الذي عرض عليه، بحضور رئيس الحكومة المكلّف، الانضمام الى الحكومة المقبلة.
شغل فؤاد بطرس حقائب التربية والتصميم والعدلية وسواها.
لكن وزارة الخارجية آلت اليه في عهد شارل حلو، وبقيت في عهدة سليم تقلا، وفيليب تقلا بعد وفاة شقيقه.
كان فؤاد بطرس وزيراً، له وزنه واحترامه والتقدير في عصر الوصاية.
وعندما أذاع العميد أول عزيز الأحدب البلاغ رقم واحد، استدعى الرئيس فرنجيه الوزير بطرس، وسأله نصيحة يسديها اليه، فردَّ: الصمود في الموقع الأول في الدولة، ليبقى لهذا المركز معنى وصلابة.
في آخر الحقبات هبطت المأثرة الثالثة، على فؤاد بطرس، عندما اختير رئيساً للجنة الوطنية لاعداد قانون جديد للانتخاب، ووضع قانون يجمع بين النظامين الأكثري والنسبي.
ولو طبقوه لكان فؤاد بطرس حقق بعض أحلام فؤاد شهاب.
غاب الوزير المتهم بالشؤم، ولم يغب الشؤم عن لبنان. –