إقتربت ساعة الحقيقة ولم يعُد هناك مجالٌ للمناورة، وكلُّ سيناريوهات التأجيل والمراوحة ستسقط أمام سقوط كلِّ المهل.
إعتباراً من الغد، الأول من تشرين الثاني، يبدأ العدُّ العكسي لانتهاء ولاية مجلس النواب الممدَّد له، إذ يتبقَّى للنواب الكرام عشرون يوماً ليردُّوا إلى الشعب الثقة التي منحهم إياها.
القصة ليست في استرداد الثقة، بل في الموعد الحافة أو الموعد الهاوية المحدد لجلسة إنتخاب رئيسٍ جديدٍ للجمهورية:
الموعد في 19 تشرين الثاني، أي في اليوم ما قبل الأخير لانتهاء الولاية. وعليه فإذا طارت الجلسة ولم يكن مجلس النواب قد مدَّد لنفسه، فعندها سنذهب، لا محالة، إلى فراغٍ على كلِّ المستويات، أي أنّه في منتصف ليل 20 – 21 تشرين الثاني لن يعود هناك مجلس نواب ورئيس مجلس نواب، فيفرغ مبنى البرلمان بعدما سبقه في الفراغ قصر بعبدا، ولئلا يكون هذا الفراغ شاملاً ربما يكون الإستدراك بإنجاز التمديد لمجلس النواب قبل العشرين من الشهر المقبل، أي قبل حافة الفراغ، ليُصار بعدها إلى استدراك الفراغ في موقع رئاسة الجمهورية.
أكثر مَن يستشعر بهذا الخطر هو الرئيس سعد الحريري، الذي التقط اللحظة الحرجة، فأطلق صرخةً من شأن سماعها، ممن لهم آذان، التوقّف عن الإنحدار في اتجاه المجهول.
أهمية هذه الصرخة أنَّها جاءت على أعقاب معركة طرابلس، أو ما يمكن تسميته قطوع طرابلس، التي كانت على مشارف إمارة يُعرَف أين تبدأ لكن لا يُعرَف أين تنتهي، وقد حدَّدها بثلاثية، أهميتها في تماسك أضلاعها وهي: رئاسة الجمهورية، الإستقرار، الإعتدال.
ففي موضوع رئاسة الجمهورية، دعا إلى المباشرة فوراً في مشاورات وطنية للإتفاق على رئيس جديد للجمهورية.
وفي موضوع الإستقرار خطا خطوةً متقدِّمة إلى الأمام من خلال العمل على إعداد إستراتيجية أمنية متكاملة يتولاها الجيش مع القوى الأمنية الشرعية.
ويصل الرئيس الحريري إلى بيت القصيد وإلى النقطة الأكثر جرأة حيث يرفع راية الإعتدال السني في وجه الجميع، فيعلن أنَّ الدعوات إلى الإنشقاق عن الجيش وإلى ثورة سنية في لبنان، هي دعوات مرفوضة ومدانة ولا تنتمي إلى تطلعات وأهداف السنّة في شيء، بل هي تتساوى مع المشاريع المشبوهة لإنهاء الصيغة اللبنانية.
مَن يجرؤ على قول مثل هذا الكلام في هذه الأيام الحرجة؟
لو لم يكن الرئيس الحريري صاحب زعامة كبيرة، لا تهزها العواصف، لَما كان تجرَّأ على قولِ ما قاله، فنحن اليوم في زمن الإنفعالات الكبيرة والوعي المحدود، وقد قام الرئيس الحريري بقَلب المعادلة فكان صاحب الوعي الكبير لضبط الإنفعالات الكبيرة.
إنَّ الزعيم الحقيقيّ هو الذي يقود شعبه لا أن يكون منقاداً إلى غرائز شعبية إنفعالية، وهذا ما يفعله الرئيس الحريري الذي يعرف كيف يقود جمهوره، عند كلِّ مفترقٍ وتحوُّل:
قال كلمة الوعي إثر أحداث عبرا، ثمَّ قالها إثر معارك عرسال، وهو اليوم يقولها إثر أحداث طرابلس، فمَن يجرؤ مثله على المخاطرة بالزعامة؟
الآخرون يحسبون كلَّ كلمة يقولونها مخافة أن تتأثر زعامتهم، أما الرئيس سعد الحريري فإنَّ وطنيته تأتي قبل زعامته، فما نفع الزعامة إذا ضاع الوطن؟