IMLebanon

عزف ثلاثي على الوتر الإيراني

 

هناك عزف على الوتر الإيراني يجمع بين السيّد حسن نصرالله الأمين العام لـ«حزب الله« في لبنان والسيد عبد الملك الحوثي زعيم «انصار الله» في اليمن والسيّد نوري المالكي رئيس الوزراء السابق في العراق. صار المالكي اخيراً نائباً لرئيس الجمهورية تعويضاً على فقدانه الموقع الأهمّ في العراق. يفسّر الوتر الإيراني كلّ ما يصدر عن الشخصيات الثلاث، ويساعد في فهم تصرفّاتهم. 

نقطة الانطلاق التي تجعل كلّ شيء مفهوماً، بل مفهوماً أكثر من اللزوم، كون الشخصيات الثلاث على ارتباط مباشر بإيران وسياستها الإقليمية ومشروعها التوسّعي، الذي أخذ ابعاداً جديدة في ضوء الاحتلال الأميركي للعراق، قبل ما يزيد على عشر سنوات. 

هذا الارتباط ليس سرّاً، لكنّ الجديد فيه أن نصرالله والحوثي والمالكي يكرّرون هذه الأيّام لازمة الحرب على الإرهاب والتكفير التكفيريين. إنّه عزف ثلاثي على وتر واحد. يريد نصرالله والحوثي والمالكي من الولايات المتحدة أن تخوض هذه الحرب نيابة عنهم وعن ايران وذلك كي تقطف طهران ثمار تلك الحرب، على غرار قطفها ثمار غزو العراق. وقتذاك، لم يوجد في واشنطن من هو قادر على استيعاب النتائج الكارثية، على صعيد التوازن الإقليمي، التي ستترتّب على تسليم العراق إلى ايران.

بالنسبة إلى الشخصيات الثلاث، هناك ارهاب واحد هو الإرهاب السنّي، أي «القاعدة« و«داعش« و«جبهة النصرة«. فالأمين العام لـ«حزب الله« لم يجد، في خطابه الأخير، ما يبرّر به وجود القياديين والمسؤولين الستة في حزبه والجنرال الإيراني الذين اغتالتهم اسرائيل قرب القنيطرة، سوى بوجود «آلاف« العناصر من «النصرة« في تلك المنطقة. شدّد على أن «النصرة« فرع من «القاعدة« وأخذ عليها عدم مقاتلة اسرائيل وتوجيه سلاحها إلى قوات النظام السوري. هل نسي أن جبهة الجولان صامتة منذ اربعين عاماً لأنّ النظام السوري قرّر اغلاقها والانصراف إلى المتاجرة باللبنانيين والفلسطينيين عبر جنوب لبنان؟. ما الفارق إذاً بين «النصرة« والنظام السوري؟.

تحدّث الأمين العام للحزب أيضاً، وفي الخطاب ذاته، عن امتزاج الدم الإيراني واللبناني على الأرض السورية، بما يشير إلى «وحدة القضية«. نعم، هناك وحدة قضيّة. هذه الوحدة اسمها وحدة الانتماء المذهبي التي باتت فوق الانتماء الوطني. القياديون والمسؤولون في «حزب الله« والجنرال الإيراني المنتمي إلى «الحرس الثوري« لم يكونوا في سوريا من اجل مواجهة «القاعدة« وما يتفرّع عنها من منظمات ارهابية. كان السبعة هناك من أجل دعم نظام مرتبط بإيران من الباب المذهبي ليس إلّا. 

تجاهل نصرالله الأساس المتمثل في حماية مصالح لبنان، وأغرق اللبنانيين في التفاصيل. استخدم العملية التي استهدفت الإسرائيليين في شبعا، والتي لا يشكّ أحد بأنّها كانت ناجحة نسبياً، غطاءً للحديث عن بطولات وانتصارات سابقة هي في الواقع هزائم لا يزال اللبنانيون يعانون إلى اليوم نتائجها. إذا كان الانتصار في حرب صيف العام «انتصاراً إلهياً«، فماذا تُرك للهزائم؟. 

انتصر «حزب الله« على اللبنانيين وهو الآن في وضع مَن يسعى إلى الانتصار على السوريين خدمة للمشروع الإيراني لا أكثر ولا أقلّ. لا وجود لانتصارات على اسرائيل للأسف الشديد، تغيّرت قواعد الاشتباك أم لم تتغيّر. اللبنانيون يعرفون جيداً أفضال «حزب الله« عليهم وعلى وطنهم، خصوصاً في هذه الأيام بالذات التي نحن فيها على مشارف الذكرى العاشرة لجريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري ورفاقه.. وكلّ الجرائم التي تلتها التي لم تستهدف سوى أشرف اللبنانيين والعرب من الذين آمنوا بثقافة الحياة.

مَن يساهم في الحرب التي يشنّها النظام السوري على شعبه، يساهم عملياً في ايجاد حاضنة شعبية لـ«القاعدة«. ما يتعرّض له الشعب السوري منذ ما يقارب أربع سنوات ارهاب منظّم، ولا شيء غير ذلك، يصبّ في مصلحة «داعش« التي هي في الأساس صنيعة النظام.

مَن يتصرّف بالطريقة التي تصرّف بها، ولا يزال يتصرف بها، نوري المالكي في العراق، لا يحقّ له الشكوى من «الجماعات الطائفية بشقيها السياسي والعقائدي« حسب ما ورد في نداء حديث لرئيس الوزراء السابق وجّهه إلى «علماء الإسلام«. مَن يشجّع عمليات التطهير التي تقوم بها الميليشيات الشيعية في المناطق السنّية لا يمكن أن ينتظر مقاومة حقيقية لإرهاب «داعش« وأخواته.

مَن يتصرّف على طريقة الحوثيين في اليمن، وصولاً إلى إتهام الرئيس الانتقالي المستقيل عبد ربّه منصور هادي بدعم «القاعدة« في مأرب، يتجاهل أن احتلال صنعاء وتدمير مؤسسات الدولة الواحدة تلو الأخرى لا يصبّ سوى في مصلحة التطرّف والمتطرفين. ما يقوم به الحوثي يدفع المناطق الشافعية في البلد إلى الارتماء في احضان «القاعدة«. يبدو مطلوباً تشجيع التطرّف لتبرير وضع مجموعة معروفة يدها على قسم من اليمن خدمة للمشروع الإيراني.

من ايران نفسها إلى العراق إلى سوريا ولبنان، يظلّ السؤال: هل تنطلي اللعبة الإيرانية على الإدارة الأميركية؟. هل في واشنطن مَن يدرك أن «داعش« و«النصرة« وما شابههما وتفرّع عنهما لا يحاربان بدواعش شيعية، لا بممارسات «حزب الله« ولا بما يفعله الحوثيون في اليمن ولا بالخطاب الذي تبناه اخيراً نوري المالكي ولا بما تقوم به الميليشيات المذهبية في العراق؟. 

المؤسف أنّ الجواب: لا كبيرة، أقلّه إلى إشعار آخر.