في انتظار أن تأتي جولة المشاورات التي أطلقتها عودة الرئيس سعد الحريري، بما يمكن أن تحقّقه في الإستحقاق الرئاسي، فقد ظهر حتى الآن أنّ أمام تسمية العماد ميشال عون جبالاً من العقبات ليس من السهل عبورها وصولاً الى ما يبتغيه البعض المتوغل في السيناريوهات المتداوَلة. وما هو ثابت الى الآن أنّ التوجّه نحو الخيار الثالث هو الأقرب.
فتح تأجيل الرئيس نبيه برّي الجلسة الخامسة والأربعين لانتخاب رئيس الجمهورية الى 31 تشرين الأول المقبل الحديث عن سلسلة السيناريوهات المتوقعة ربطاً بالتطورات المتسارِعة على الساحتين اللبنانية والإقليمية وكلّ ما يؤثر في هذا الإستحقاق الذي لم يعد سهلاً توليده من رحم اللعبة الداخلية اللبنانية بعدما ربطه القادرون على ذلك بالتطورات الإقليمية والصراع المحتدم ما بين طهران والرياض على الأراضي السورية واليمنية وغيرها من ساحات المواجهة بين العاصمتين.
فليس سهلاً على الثلاثي الذي يضمّ الى الحريري، رئيس مجلس النواب نبيه برّي ورئيس «اللقاء الديموقراطي» النائب وليد جنبلاط الذي سمى رئيس تيار «المردة» النائب سليمان فرنجية ليخوض به السباق الى القصر الجمهوري إجراء «التكويعة» التي يحلم بها البعض في الأيام والأسابيع المقبلة ولكلّ منهم ظروفه وارتباطاته.
وهو ما عبّرت عنه خطوة برّي غير المسبوقة بتحديد موعد الجلسة السادسة والأربعين لإنتخاب الرئيس بعد شهر وثلاثة ايام، ما يفضي الى أنّ امام الساعين الى هذه الطبخة مزيداً من الوقت لتوفير مقوّماتها إن سمحت الظروف الإقليمية والدولية ليشهد البلد ولادتها.
أمام مرجعية سياسية غارقة في التحضيرات للإستحقاق الرئاسي، خريطة قديمة – جديدة للمواقف، من دون أن تتوافر لديها أيّ معطيات حاسمة تقود الى أنّ انتخاب العماد ميشال عون بات ثابتة سياسية ولم يبق امام الطباخين سوى بعض التفاصيل لإنجاز الإستحقاق والدعوة الى تحديد موعد تقبل التهاني.
وعلى هذه الخلفيات، تقول المرجعية: من الواجب العودة الى بداية حراك الحريري العلني والذي شاء أن تكون إنطلاقته من بنشعي. فقد ظهر أنّ اللقاء ورغم ما قيل عنه وفيه، لم ينتهِ الى أيّ قرار أو توجّه نهائي.
فبعد مقدمة الحريري التي أشار فيها الى أنّ عشرة أشهر عبرت على ترشيحه لفرنجية بلا تحقيق أيّ خرق في جدار الأزمة الرئاسية، قدم فرنجية عرضاً شاملاً للمواقف التي رافقت تسميته الى اليوم، لافتاً الى أنه ليس من داعٍ لدى حلفائه للتراجع عن هذه الخطوة.
وإن وجب علينا وعليهم التراجع فليس منطقياً الإستسلام لهذه النظرية سريعاً وننتقل من ضفة الى أخرى بالتوجّه نحو تأييد العماد عون. لا بل فإنّ الخيار الثالث هو الأسهل والأقرب والأرخص كلفة على الجميع في الداخل والخارج».
وحذّر فرنجية من أنّ هذا التحوّل – في حال حصوله – سيطلق مساراً إنحدارياً كبيراً وخطيراً، ودينامية لا يمكن فرملتها لا في المستقبل القريب ولا البعيد، معتبراً أن «ليس هناك ما يستدعي مثل هذا التحوّل في المواقف تحت الضغوط التي نتعرض لها جميعنا».
وفي المعلومات أنّ الحريري وافق فرنجية على هذه النظرية وانتقل الى الحديث عن الخيار الثالث ليأخذ حيّزاً واسعاً من اللقاء.
ومن لقاء بنشعي، انتقلت المرجعية الى ما شهده إجتماع كتلة «المستقبل» حيث بدت الصورة أكثر وضوحاً. وروى أحد المشاركين في اللقاء أنّ الحريري كان حذراً في مقاربة خطوته المقبلة في ضوء التفويض الممنوح له.
لذلك تحدّث عن ظروف إقليمية ضاغطة وداخلية صعبة ليس من السهل تجاوزها قريباً، ملمّحاً الى أنّ الخيارات ضاقت وسط تجاهل العالم كله لهذا الإستحقاق وأنّ أمامنا فرصة لتجاوز المرحلة السلبية واختصارها الى الحدّ الأدنى وتوفير ما يؤدي الى انتخاب الرئيس، محمّلاً المسؤولية الكبرى لما وصلنا اليه الى مقاطعة «حزب الله» و»التيار الوطني الحر» جلسات الإنتخاب.
ولم يكد الحريري ينهي مقدمته حتى توالت المداخلات، فعبّر معظم أعضاء الكتلة عن سوء الخيار المؤدي الى ترشيح عون بأكثرية موصوفة رغم مداخلة سبقت سيل المواقف المعترضة تحدّث فيها أحد الأعضاء عن خطورة المرحلة وصولاً الى الدعوة الى الإفادة من لحظة تاريخية نعبر بها الإستحقاق أيّاً تكن الكلفة ولو بعون.
وهو ما قاد بعض المعترضين الى إعلاء الصوت رفضاً لهذا الخيار، مع التلميح إلى أنّ الكتلة أمام امتحان هو الأول من نوعه للحفاظ على الحد الأدنى من تضامنها في هذا الاستحقاق، ولم يحل ذلك دون المناداة بالخروج من ثنائية ترشيح عون – فرنجية الى خيار ثالث.
لم يكتفِ أصحاب نظرية رفض انتخاب عون بالتحذير من تردّدات أيّ خطوة مماثلة على شارع «المستقبل» وصولاً الى كيفية مواجهة الرفض الإقليمي والدولي لها، ولو عبر بعض العالم عن عدم اهتمامه بالإستحقاق وظروفه.
وسال أحدهم: هل يمكن أن ندفع وحدنا كلبنانيين كلفة «الطحشة الإيرانية» التي يترجمها «حزب الله» في الإستحقاق مستفيداً من أجواء دولية ضبابية يحاول أن يصوّرها لنا على أنها ستقدّم له «انتصاراً إلهياً» آخر، فنترجم له نظريته بلا عناء وبلا أثمان رغم معرفتنا بأنّ ما هو مطروح إيرانياً في لبنان وسوريا واليمن مرفوض دولياً ولن يأتي بسعره المأمول في الساحات الإيرانية من طهران وصنعاء مروراً بدمشق والضاحية.
وعليه يبدو واضحاً للمرجعية السياسية أنّ أمام عبور ما يؤدي الى الإستحقاق لقاءات كثيرة ستشهدها عين التينة وكليمنصو والرابية بعد بنشعي والصيفي وأخرى غير منتظرة، وعدداً أكبر من السيناريوهات التي تتوالد يومياً وتتداخل فيها الأمنيات مع الحقائق والوقائع على قاعدة أنّ الجهد المبذول لبنانياً ليس أمراً سلبياً، وربما أدى الى التخفيف من التشنّجات الداخلية لعبور المرحلة بأقلّ الخسائر الممكنة، من دون أن ننسى أنّ على أصحاب الرؤوس الحامية ألّا يستعجلوا المراحل «فطالب الشيء قبل أوانه عوقب بحرمانه»!؟.