IMLebanon

ثلاثية طهران لنسف ثلاثية الدوحة!

قبل أن يصل سيرغي لافروف إلى موسكو عائدًا من الدوحة، هبط نائبه ميخائيل بوغدانوف في طهران ليكمل دفن كل ما قيل عن تغيير في موقف روسيا من الأزمة السورية. لافروف واجه جون كيري وعادل الجبير في اللقاء الثلاثي في قطر يوم الاثنين الماضي بعقدة التمسك بالأسد، وبوغدانوف رد على تصريح رجب طيب إردوغان بأن فلاديمير بوتين قد يتخلى عن الأسد بالقول: «إن موقف روسيا ليس شيئًا قابلاً للتغيير مع تغيّر الظروف، ونرى أن تجلس الحكومة السورية مع المعارضة لتقرير مستقبل سوريا»!

وإذا كانت نتائج اللقاء الثلاثي بين لافروف وكيري والجبير في الدوحة، لم تسفر عن أي نتيجة من شأنها رسم أفق ولو بعيد، لحل ممكن في سوريا يوقف حامولة القتل ويؤسس لحرب حقيقية ضد «داعش» وعودة المهجرين، فإن نتائج اللقاء الثلاثي بين بوغدانوف ومحمد جواد ظريف ووليد المعلم في طهران، أعادت ترسيم، لا بل ترسيخ، الأفق المظلم في سوريا على قاعدة استطرادية فحواها «الأسد أو نحرق ما تبقى من البلد»، وهو طبعًا ما يساعد في تزخيم «تدعيش» السوريين الذين يتساقطون تحت صواريخ النظام وبراميله المتفجرة!

واضح أن ثلاثية طهران جاءت لنسف كل الأوهام التي سبقت ثلاثية الدوحة عن تغيير روسي وإيراني ممكن حيال الأزمة السورية لا بل إن حسين أمير عبد اللهيان حاول أن يخلق جوًا مناقضًا، فلم يتردد في الحديث عن تغيير في مواقف الفرقاء الآخرين حيال سوريا عندما قال: «لحسن الحظ نرى تغييرًا في استراتيجية اللاعبين الإقليميين من الأزمة السورية، لقد ظنوا قبل أربع سنوات أن الحرب هي الحل، لكنهم الآن يفضّلون التركيز على الدبلوماسية»!

غريب أن يصل تزوير الحقائق إلى هذه الدرجة، وكأن الشرق الأوسط والعالم بلا ذاكرة، ذلك أنه من الواضح أن الروس والإيرانيين دعموا منذ اللحظة الأولى مراهنة بشار الأسد على الحل العسكري، فأفشلوا مبادرة الجامعة العربية ومهمة المراقبين العرب ثم المراقبين الدوليين، ثم تولى لافروف ببراعة كيدية شلّ مجلس الأمن بالفيتو، ثم دفن مساعي كوفي أنان ومن بعده الأخضر الإبراهيمي، أما ستيفان دي ميستورا (السائح الأخير) فلن يكون حظه في النهاية أحسن من حظوظ سلفيه!

اللقاء الثلاثي في الدوحة لم يتوصل إلى أي مبادرات بسبب التعنت الروسي، لكن اللقاء الثلاثي في طهران يقدّم على سبيل التعمية طبعًا، ما قيل إنه «مبادرة إيرانية معدّلة» تكفي قراءة بنودها الأربعة لدحض كل ما ورد في التحليلات عن تحوّل في موقف روسيا وإيران من الحل في سوريا، لا بل إن التصريحات بعد لقاءات طهران جددت تمسك روسيا وإيران بدعم النظام السوري في محاربة الإرهاب، وضرورة تشكيل جبهة واسعة مناهضة للإرهاب لمواجهة «داعش»، في حين تولى وليد المعلم دفن أي أفق للتسوية عندما أكد ما تدعمه موسكو وطهران؛ أي «ضرورة موافقة دمشق على أي مبادرة لحل الأزمة السورية»!

المبادرة الإيرانية التي قيل إنها معدّلة تتألف من أربعة بنود لا تقدّم أي خطوة في اتجاه الحلول، وهي تدعو إلى:

1 – وقف فوري لإطلاق النار.

2 – المباشرة بتشكيل حكومة وحدة وطنية. (دون تحديد الإطار الذي يجب أن تشمله صفة الوحدة الوطنية، خصوصًا مع وجود معارضات في الخارج ومعارضة الداخل التي هي قناع النظام).

3 – إعادة تعديل النظام السوري بما يتوافق مع طمأنة المجموعات الإثنية والطائفية في سوريا.

4 – إجراء انتخابات بإشراف مراقبين دوليين (دون تحديد آليات الانتخابات في بلد نصف سكانه في التهجير).

ليس من جديد في هذه «المبادرة» التي يبدو من الواضح أنها تهدف إلى إصابة عصافير عدة بحجر واحد، فهي: أولاً، تحاول أن تظهر إيران بعد الاتفاق النووي مع الدول الغربية ومع ارتفاع المعارضة الخارجية لهذا الاتفاق على أنها دولة حلول وتسويات، بينما هي عمليًا فريق أساسي منخرط في الصراع يقف إلى جانب النظام السوري بالرجال والعتاد والمال.

وهي ثانيًا، تريد تعويم الأسد بعد هزائمه الأخيرة وخطابه عن النقص في الرجال وتبريره انسحابات قواته إلى مناطق أكثر أهمية، بما شكّل مؤشرًا استباقيًا على استعداده لإعلان دولة الساحل العلوية. وفي هذا السياق، برزت محاولات للحديث عن دور الأسد في محاربة الإرهاب عندما قال عبد اللهيان: «إن مقاومة سوريا للإرهاب مشهود لها، وإن أي شيء يتعلّق بالمبادرة الإيرانية سيتم التشاور فيه والتنسيق الكامل مع المسؤولين السوريين»، كل هذا رغم أنه من المعروف أن الإرهاب ولد من رحم سياسات الأسد وإصراره الدائم على الحل العسكري.

وهي ثالثًا، تريد قطع الطريق على الاتفاق الأخير بين أميركا وتركيا على إقامة المناطق الآمنة في شمال سوريا، التي سيعود إليها مئات الآلاف من اللاجئين السوريين المعارضين للنظام، والتي تساعد على خلق منطقة أكثر حرية في العمل السياسي والعسكري، وتشكل مركزًا لحكومة أو إدارة للمنطقة المحررة، وحقلاً لتدريب المعارضة المعتدلة التي يمكنها بالتالي تقديم الدعم إلى المعارضين في دمشق وجنوب سوريا والبدء بالتخطيط لتطهير محافظات الحسكة ودير الزور والرقة من سيطرة «داعش».

ما يؤكد هذا الاتجاه الانتقادات الروسية لقرار واشنطن توفير غطاء جوي لدعم قوات المعارضة التي تقوم بتدريبها، والخوف من أن يستهدف القصف قوات النظام التي تحارب المعارضين أكثر مما تحارب «داعش». وفي هذا السياق، يقول علي أكبر ولايتي، مستشار علي خامنئي، إنه فوجئ بتحذير أميركا أخيرًا من أن طائراتها ستتدخل ضد الحكومة السورية بأميركا، معتبرًا أن واشنطن «تقوم بتدريب إرهابيين في الدول المجاورة لسوريا وتدعمهم في حين لا يقوم هؤلاء إلا بذبح الأبرياء»!

وهي رابعًا، تحاول أن توحي أن الحل يأتي من طهران لا من الدوحة، وفي كلام أوضح من حلفاء الأسد الذين يدعمون بقاءه في السلطة لا من خصومه الذين يطالبون بخروجه من السلطة، كما يفعل الشعب السوري المذبوح منذ أربعة أعوام ونيف!

المعارضة السورية تعاملت بشيء من السخرية مع المبادرة الإيرانية واعتبرتها مبادرة لحل أزمة الأسد ونظامه لا لحل أزمة سوريا، معتبرة أن أي مبادرة لتكون مقبولة يجب أن تنص صراحة على انتقال السلطة من خلال هيئة حكم انتقالي لا دور فيها لبشار الأسد.