IMLebanon

طرابلس: أية تحديات تواجه البلدية الجديدة؟

كثيرة هي التحديات التي تواجه مجلس بلدية طرابلس وأبرزها، أن المجلس الجديد جاء تحت شعار «التغيير»، وبالتالي نقض كل السياسات التي اتبعتها المجالس البلدية السابقة، وأدت الى حرمان المدينة من أبسط مقومات النهوض الاقتصادي والاجتماعي.

لكن اللافت للانتباه أن شعار «التغيير» الذي رفع قبل الانتخابات البلدية لا يزال «خلّبيا» وأن الحديث عن نمط عمل بلدي جديد ومتطور بعد أكثر من شهرين على التسلم والتسليم بين الرئيس السابق عامر الرافعي والرئيس الحالي أحمد قمر الدين لم يترجم على أرض الواقع، في وقت يؤكد فيه عدد من أعضاء المجلس البلدي من لائحتي «القرار» و «لطرابلس» بأن الانطلاقة «لا تزال متعثرة».

ومن التحديات أيضا، أن المجلس الجديد لا يستطيع أن يتحدث عن أي محاولات لتعطيل القرارات البلدية، خصوصا أن الأكثرية فازت من لائحة «القرار» (16 عضوا) هي منسجمة في الأفكار والتوجهات، وقد ترجمت ذلك في انتخابات الرئيس ونائب الرئيس، كما أن الأعضاء الثمانية الفائزين من لائحة «لطرابلس» سرعان ما انسجموا مع زملائهم وشكلوا كتلة متراصة، وهم إن أرادوا التعطيل فانهم لن يكونوا قادرين عليه، لأنهم يشكلون ثلثا مقابل ثلثين.

أما الحديث عن محاربة سياسية للمجلس البلدي الذي جاء بعكس ما كان يشتهي «التحالف السياسي العريض»، فليس له حتى الآن أي بوادر، علما أن التيارات السياسية الاساسية في المدينة استضافت قمر الدين وأكدت له أن الانتخابات أصبحت وراءنا، وأنها مستعدة لتقديم كل الدعم للبلدية بما يصب في مصلحة طرابلس وأهلها، وذلك بالرغم مما يتم تسريبه عبر مواقع التواصل الاجتماعي بأن البلدية تدار في بعض قراراتها عن بُعد وبـ «الريموت كونترول»، لا سيما في ما يتعلق بالتوظيفات أو بتقليص الصلاحيات، وقضية المستشارين التي تهدد أكثر من 20 شخصا بقطع أرزاقهم.

والواضح أن الطرابلسيين الذين عانوا الأمرين خلال عهود بلدية سابقة بسبب الشلل والتعطيل والفوضى الأمنية والسياسات الخاطئة، لن يمهلوا كثيرا مجلسهم البلدي الجديد الذي وجد نفسه منذ جلسته الأولى تحت المجهر.

وإذا كان المجلس البلدي لم يقم بأي عمل ميداني حتى الآن يلفت من خلاله أنظار الطرابلسيين، أو يشعرهم بحدوث بداية التغيير المنشود، فان ما ينتظره على أرض الواقع هو من «العيار الثقيل» الذي يحتاج الى عمل دؤوب ليلا ونهارا، وإلا فان طرابلس ستكمل مسيرتها الانحدارية نحو الهاوية، لأنها لم تعد قادرة على الصمود، أو على تحمل أعباء مجلس بلدي على غرار المجلس السابق، ولو كان المجلس الجديد يضم نخبة كبيرة متحمسة من أصحاب الخبرات والكفاءات، لكن أكثرية هؤلاء وجدوا أن «روما من فوق غير روما من تحت».

يمكن القول إن طرابلس اليوم تحتاج الى شتى أنواع المشاريع، علما أن 80 مشروعا أقرت لها في العام 2002 في مؤتمر «إنماء طرابلس» الذي عقده حينذاك الرئيس الشهيد رفيق الحريري بناء على رغبة كل قيادات المدينة، لكن أكثرية هذه المشاريع لم تنفذ، وما بدأ العمل به واجه التعطيل، أو لم يصل الى خواتيمه السعيدة، فلم يراعِ تنفيذُ المشاريع دفاترَ الشروط، وكان ذلك وبالا على المدينة، لا سيما مشروع الارث الثقافي الذي شكل كارثة حقيقية، وتتضافر الجهود حاليا لانقاذه، فضلا عن مشروع مرأب التل الذي لا يزال يشكل هاجسا لا بل يشكل كابوسا لأكثرية الطرابلسيين.

ثمة أزمات حقيقية سيجد المجلس البلدي الجديد نفسه مضطرا لمواجهتها بدءا من أزمة النظافة وإعادة النظر بكل بنود عقد شركة «لافاجيت» ومهامها المتعلقة بالجمع والكنس واللم والنقل، لتتلاءم مع الشروط البيئية المعتمدة، وصولا الى جبل النفايات الجاثم على أنفاس الطرابلسيين والذي بلغ ارتفاعا استثنائيا يهدده بالسقوط وبإحداث كارثة بيئية في أي لحظة، الأمر الذي يتطلب إزالة الخطر البيئي بشكل سريع، والاستفادة من معمل فرز النفايات.

ويلي ذلك، أزمة السير الخانقة، ومواجهة الشركات المتعهدة التي تقطع أوصال المدينة بفتحها لشوارع عدة في وقت واحد، إضافة الى تنظيم المرور في الشوارع وتحديد الاتجاهات، وإعادة تنظيم مواقف السيارات العمومية والالتزام بالأعداد المخصصة لكل موقف، وتأمين النقل المشترك، إضافة الى تنفيذ مشروع إشارات السير الضوئية، علما أن طرابلس تكاد تكون العاصمة الوحيدة في العالم التي لا توجد في معظم شوارعها إشارات ضوئية.

وثمة حاجة لوضع حد للفوضى المستشرية في المدينة، من تنظيم البسطات، وإزالة التعديات المتعددة الأوجه في كل الشوارع الرئيسية والأحياء الداخلية، وتجهيز وتشغيل البرك وإعادة تأهيل الساحات العامة، بالاضافة الى ملء الشواغر في الملاك البلدي وإيجاد حل نهائي وعادل للعمال المياومين، وزيادة عديد الشرطة ليتلاءم مع حاجات المدينة، واتخاذ قرار حاسم وسريع بشأن المستشارين بعيدا عن المحسوبيات والتدخلات السياسية.

أما في ما يتعلق بالمشاريع التي تحتاج الى خطوات سريعة لتنفيذها، فهي:

ـ تزفيت شوارع المدينة قبل بداية فصل الشتاء.

ـ فرض رقابة شديدة على الشركات المتعهدة لإنجاز عملها وفق دفاتر الشروط.

ـ تحويل ملعب رشيد كرامي الدولي الى مدينة رياضية.

ـ إنشاء قاعة لألعاب كرة السلة والكرة الطائرة وألعاب القوى.

ـ إيجاد أرض لانشاء مبنى معهد العلوم التطبيقية والاقتصادية CNAM.

ـ إقامة محطة انطلاق للسيارات العمومية جنوب وشمال المدينة.

ـ إقامة سوق موحد للباعة المتجولين يتسع لنحو 1200 بائع، إضافة الى تنظيم سوق الأحد.

ـ دعم القطاع الحرفي، وتشجيع الصناعات التراثية.

ـ الاستفادة من خان العسكر وإنشاء متحف لآثار المدينة.

ـ تشجيع السياحة الثقافية، والاهتمام بتشغيل القلعة الأثرية.

ـ إقامة المهرجانات التراثية للفت الأنظار الى المدينة.

ـ إحياء مشروع التدريب المهني للطلاب المتسربين من المدارس.

ـ متابعة مشروع سوق الخضار في التبانة.

ـ تشغيل محطة التكرير بقوة أكبر.

ـ حماية مجرى نهر أبو علي وتحويله الى واحة بيئية.

ـ مواجهة ظاهرة التسول والتشرد في الشوارع.

وغير ذلك من المشاريع التي من شأنها أن تُظهِر وجه طرابلس الحضاري.

أمام هذه التحديات وغيرها، يقف المجلس البلدي الجديد أمام مفترق طرق، فإما أن يكون على مستوى المسؤولية هو ومَن يقــف خلــفه مِن داعمين سياسيا وأهليا، أو أن يشكل امتدادا للفشل البلدي المستمر منذ أول انتخابات بلدية قبل عقدين من الزمن، وعندها يمكن القول إنه كما كانت نتائج الانتخابات البلدية رافعة سياسية للبعض، فانها ستتحول بعد فترة الى محرقة شعبية لأن طرابلس هذه المرة لن تغفر.