تشهد طرابلس حراكاً متداخِلاً لفرض الأمن بعد اشتباكاتٍ خطرة بين مجموعات تابعة لبعض أصحاب المولّدات في المدينة القديمة وتفشّي جرائم السلب قرب المقرات الأمنية وعلى بعد خطوات من منزل وزير الداخلية في وضح النهار وأمام العامة، مقابل نضالٍ يخوضه المجتمع الاقتصادي للبقاء على قيد الحياة في وجه موجات التشبيح التي يزداد تسلُّطها على المدينة حيث سُجِّل صدامٌ نيابي مكشوف أطلقه النائب إيهاب مطر ضدّ الحمايات السياسية لمرتكبي الجرائم، الأمر الذي عرّضه لحملة عنيفة استهدفت أيضاً مفتي طرابلس الشيخ محمد إمام في إطار محاولة فرض صورة الانغلاق على المدينة وتغليب مشهد الغوغاء فيها، في حين سجّل وزير الثقافة محمد المرتضى دخولاً على خطّ المتابعة الأمنية مع قيادة الجيش وقوى الأمن الداخلي بعد مشاركته في عدد من الفعاليات التي أظهرت حيوية المجتمع الطرابلسي وكذلك الألغام التي يقف عليها.
وأمام هذا الاستفحال في ظاهرة الفلتان الأمني وفي ظلّ الصمت السياسي المطبق، رفع النائب إيهاب مطر الصوت في وجه «الشبيحة» وقال في سلسلة من المواقف إنّ «هذا الوضع لم يعد يُحتمل وأهل طرابلس يرفضون التفلّت الأمني وخفافيش الليل، والشبيحةُ وحملة السلاح يجب أن يُقمَعوا ويُحاسَبوا». وأرفق مواقفه المنفردة بزيارات لرئيس الحكومة نجيب ميقاتي وقائد الجيش العماد جوزاف عون والمدير العام للأمن الداخلي اللواء عماد عثمان.
وبعد ازدياد نسبة الجرائم بشكل صادم أعلن وزير الداخلية بسام مولوي تنفيذ خطة أمنية في طرابلس. لكنّ هذه الحركة لا تزال قاصرة عن وقف واحدة من أوقح وأخطر الاعتداءات على المدينة والمتمثلة في بؤر إحراق المواد البلاستيكية لاستخراج المعادن والتي تخنق المواطنين يومياً بأبشع أنواع التلوث القاتل في سماء طرابلس.
مقاومة إقتصادية
على مقربة من ساعة التل التاريخية نظّمت «جمعية تجار ساحة عبد الناصر» أمسيةً رمضانية برعاية وزير الثقافة محمد وسام المرتضى لإظهار جمالية الساحة وتأكيد نضالها المرير في حماية هذه الساحة المحاصرة باحتلالٍ لصيق من قبل محسوبين على أحد النواب يسيطر بالقوة على جناحها الغربي ويحوِّله موقفاً مدفوعاً بشكل غير قانوني، وقد تعرّضت الإنارة فيها للتخريب المتعمّد في وقت سابق، بينما يحول «الشبيحة» دون تطوير الساحة وتنظيفها من بقية المخالفات.
هذا الواقع دفع بالوزير المرتضى إلى الدخول على خط الاتصالات مع قيادتي الجيش وقوى الأمن الداخلي وهو سيلتقي العماد جوزاف عون وقائد منطقة الشمال الإقليمية في قوى الامن الداخلي العميد مصطفى بدران للمساهمة في دعم القوى الأمنية ضدّ التدخّلات السياسية الحامية للمخالفين.
وسط هذا الصّخب وصمت أغلب نواب طرابلس يبرز التساؤل أين نُخَبُ المدينة ونقاباتها وأين فاعلياتها التي تنشط في كلّ شيء إلاّ في الأمن الاجتماعي، والتي تتحدّث في كلّ شيء وتصمت عن جرائم تهدِّد مصيرها ومصير المجتمع؟ والسؤال هنا يحمل إدانةً واضحة لكلّ الصامتين الذين يتبوّأون صدارة المجالس والمناسبات ويتركون لـ»الغوغاء المنظمة» استهداف قامة بمقام مفتي طرابلس الشيخ محمد إمام الذي يرفض أسلوب التحريض والتنابذ الطائفي، ولو جمعه إفطار رمضاني على طاولة واحدة مع النائب جبران باسيل والنائب مطر، بينما انخرط بعضهم في مصالح دعائية ضيقة مع بعض أصحاب المولدات الذين يسعون لتبييض صفحاتهم من خلال استخدام بعض الجمعيات لتقديم أنفسهم باعتبارهم من أصحاب الأيادي البيضاء!
تشريح المشكلة وأبرز الحلول
مرجع شماليّ أوضح أنّ المشاكل التي تحصل في طرابلس متفرقة ومنفصلة وغير مترابطة مع بعضها، رغم ارتفاع منسوبها، لكنّ هذا مؤشر الى عدم وجود عمل منظم، ولمعالجة هذه الحالات الشاذة يجب البحث في الدوافع والأسباب.
الدوافع: خلافات شخصية، فرض أمر واقع، خلافات مادية ونسائية، أعمال استفزازية، فرض خوات تعاطي مخدرات وسرقة.
أما الأسباب فيمكن تلخيصها بالآتي:
ــ الفوضى السائدة في المدينة نتيجة إهمال البلدية بكافة أجهزتها عن القيام بدورها التنظيمي والرقابي والإجرائي لقمع المخالفات ومنع التعديات وإزالة الفوضى وضبط النظام العام لجهة الكيوسكات والبسطات والموتوسيكلات والمولدات…
ــ عدم تفعيل المرافق الحيوية والاقتصادية مثل المرفأ والمنطقة الاقتصادية الخاصة والمعرض، وعدم تشغيل المنشآت الرياضية والسياحية مثل الملعب الأولمبي والقلعة والجزر، وعدم الاهتمام بالإرث التاريخي العريق كالاسواق والمساجد والكنائس ومحطة سكك الحديد وعدم الاهتمام بالأماكن العامة التي تشكل متنفساً نظيفاً لأهالي طرابلس مثل الكورنيش والحدائق والساحات العامة.
ــ ازدياد حالات التسرب المدرسي والفقر والبطالة.
ــ تردّي الوضع التعليمي وإهمال المدارس الرسمية وانتقال المدارس الخاصة خارج طرابلس، وإهمال الجامعة اللبنانية وتبعثر كلياتها بين القبة والهيكلية.
ــ عدم ضبط الخطاب الديني الذي يشهد بين الحين والآخر حالات متشددة تدعو إلى القتال بمفهوم خاطئ للدين.
ــ عدم وضع خطة إنمائية للأحياء الفقيرة التي تشهد الإشكالات وإطلاق نار.
ــ تكرار الأحداث مع الأشخاص أنفسهم بسبب تقصير بعض الأجهزة الأمنية والتساهل والتراخي في الأحكام القضائية.
ــ حماية المخالفين من قبل العديد من السياسيين والنافذين في المدينة.
ــ عدم قيام المعنيين بأي مبادرة باتجاه تحسين الأوضاع الاقتصادية في المدينة وعدم قيامهم بأي خطوة باتجاه تأمين فرص عمل للشباب العاطل عن العمل.
ــ عدم جرأة أغلب المسؤولين في طرابلس على اتخاذ موقف علني واضح وصريح تجاه الأحداث التي تحصل وخاصة إطلاق النار.
ــ مقاربة الوضع في طرابلس من الناحية الأمنية فقط دون مراعاة النواحي التنموية والإنمائية والخدماتية يشكل عبئاً كبيراً يحول دون تحقيق الحل الحقيقي.
ويختم المرجع الشمالي بالقول إن كل سبب ودافع يتطلب البحث في إيجاد حل جذري ودائم من خلال اقامة ورش عمل للبحث في الحلول الممكنة بالتعاون مع جميع المعنيين في كافة المجالات ومن أصحاب الاختصاص.