ما كانت تحذّر منه الأجهزة الأمنية والعسكرية وعلى رأسها الجيش اللبناني وقع، فثورة الجياع انطلقت من طرابلس عاصمة الشمال من دون أن يدري أحد كيف ستنتهي.
تترافق إشتباكات طرابلس المتنقّلة مع عجز سياسي وحكومي عن القيام بإجراءات تخفف من لهيب الشارع الذي يتصاعد حراكه وبات يأخذ منحىً عنفياً، في حين يحاول الجيش التقاط كرة النار وعدم السماح بامتدادها إلى باقي أرجاء الوطن.
في قراءة أمنية، فإن الجيش يحاول أن يُبقي الأمور تحت السيطرة، فتقارير المخابرات قد حذّرت منذ ما بعد ثورة 17 تشرين بأنّ الوضع الإقتصادي ينذر بانفجار كبير، وهذا الإنفجار لا يستطيع الجيش والقوى الأمنية تحمّل نتائجه أو معالجته بالطريقة الأمنية، بل إنه يحتاج إلى حلّ إقتصادي في الدرجة الأولى وسياسي في الدرجة الثانية، وكل ما يحصل اليوم هو نتيجة غياب هذه الحلول. ويتعامل الجيش مع الأحداث الطرابلسية بحذر شديد ومن دون السماح بجرّه إلى مواجهات داخلية متنقّلة، فالقيادة العسكريّة تؤكّد أنها لن تدخل في لعبة داخلية تكون نهايتها الصدام بين الجيش وأهله، وبالتالي فهي تفعل كل ما بوسعها لاستيعاب الصدمة وعدم تحوّل الثورة إلى صدام داخلي.
لكن الوضع الإجتماعي والإقتصادي الضاغط في عاصمة الشمال يجعل الأمور تنحدر بسرعة نحو الفوضى، فطوال فترة ثورة 17 تشرين كان الجيش محط إعجاب الثوّار على رغم بعض الصدامات، لكن بعض الأمنيين يؤكّدون أن هناك عناصر مندسّة تدخل على الخطّ من أجل افتعال إشكالات ما يصعّب المهمة أكثر على القوى الأمنية حيث يصبح الفصل بين المتظاهرين السلميين والمندسين أمراً صعباً جداً.
وتتوقّع مصادر أمنية أن تتجه الأمور إلى مزيد من التصعيد إذا لم يتمّ الولوج بحل إقتصادي، فإيجاد الحلول يجعل التعامل مع المندسين أسهل لأن أهل طرابلس لا يريدون الفوضى بل هم يبدون كل تعاون مع القوى الأمنية.
لا تنكر الأجهزة أن الوضع ليس جيّداً، لكنه قابل للحلّ إذا أراد أهل “الحل والربط” إيجاد ذلك، في حين أن الجيش والقوى الأمنية يصرّون على حماية التظاهرات السلمية، لكن كل تلك المحاولات اصطدمت ببعض العناصر التي حاولت خلق إشكالات مع القوى الأمنية.
لا يوجد رأس واحد للتحركات الشعبية المتنقلة، إذ إن الثورة الشعبية لا تقتصر على منطقة واحدة وإذا كانت طرابلس هي النقطة الأكثر توتراً إلاّ أن ذلك لا يعني أن الجوع يفرّق بين منطقة وأخرى، لذلك فإن التوقعات هي في ارتفاع موجة الإحتجاجات ما يحتم على الأجهزة مزيداً من الوعي.وفي حين يراهن الشعب على أداء الجيش وحكمة قائده العماد جوزف عون، يرى بعض المتابعين أنه وبغض النظر عن الوضع الإقتصادي فهناك محاولة لإغراق الجيش في وحول الصراع الداخلي وحرق إسم العماد جوزف عون، الذي لا يحظى برضى السلطة الحالية خصوصاً أن اسمه مطروح على حلبة التنافس الرئاسي.
ويرى العميد المتقاعد خليل الحلو أن أسباب اندلاع ثورة طرابلس هو الجوع الذي ضرب الشعب منذ ما قبل “الكورونا” وثورة 17 تشرين، والصدامات التي تحصل بين الجيش والمتظاهرين تدخل في هذا السياق.
ويتحدث حلو عن أن الحكومة الحالية لا تعبر عن مطالب الثورة وأتت كحكومة أمر واقع، وقد تكون هناك فئتان تريدان وقوع صدام بين المتظاهرين والجيش، الفئة الأولى هم مندسون من أحزاب السلطة الحالية أي “حزب الله” و”التيار الوطني الحرّ” و”أمل” وذلك لضرب أهداف الثورة وتحويل مسارها، أما الفئة الثانية فهم اليساريون الذين يدورون في فلك “حزب الله” ويؤمنون بالعنف الثوري ويحولون الثورة إلى حرب مع المصارف.
ويرى حلو أن “أهل السلطة مسرورون لما يحصل في طرابلس وهم الذين لم يقدّموا أي حلول إقتصادية خصوصاً ان الرئيس حسان دياب كان يعلم بحقيقة الوضع قبل تسلمه زمام الحكم”.
ولا يستبعد حلو أن تكون اشتباكات طرابلس محاولة لحرق إسم قائد الجيش خصوصاً انه أثار غضب أهل السلطة الذين طلبوا منه ضرب ثورة 17 تشرين، كما أن اسمه مطروح بقوة لرئاسة الجمهورية.
ويستبعد حلو أن ينجر الجيش إلى لعبة الدم الداخلية “لأن تركيبة جيشنا مغايرة لتركيبة باقي جيوش المنطقة، فرئيس الجمهورية السابق إميل لحود طلب من العماد ميشال سليمان العام 2005 قمع الثورة فرفض سليمان، وبالتالي فإن العماد جوزف عون متمسك بالدستور ويحمي حرية التعبير ولا يريد إدخال الجيش في اللعبة الداخلية وصراع الشعب مع أهل السلطة، لأن الجيش اللبناني جزء من الشعب ولا يقمع أهله”.
ويشير حلو إلى أن” قائد الجيش يعرف من هو المتظاهر ومن هو الإرهابي، فمحاولة إلصاق تهمة الإرهاب بالمتظاهرين الطرابلسيين لن تنجح ولن تستخدم وسيلة ضغط على قائد الجيش من أجل قمع الثورة”.