Site icon IMLebanon

طرابلس الحزينة… من ينقذها؟

 

تتعطّل المصالح في طرابلس، الواحدة تلو الأخرى. لا نتحدّث هنا عن مرفأ، أو معرض دولي، أو مرافق (الميمات الخمسة) المُعطّلة منذ أن أُنشئت، علماً أنّه لو استُثمرت، لكان بإمكانها أن تشدّ عصب المدينة وترفد اقتصادها، إنما نتحدّث عن مصالح صغيرة وأسواق كالملبوسات وغيرها، كانت طرابلس تعتمد عليها كمُتنفّس للإقتصاد والحركة اليومية.

 

أسواق طرابلس اليوم تحنّ إلى الأيام الماضية أو الأيام الخوالي. لا دولارات، ولا أموال بين أيدي التجّار وأصحاب المحلّات حتى يشتروا بضاعة لتجديد المخزون، مع دخولهم موسم الصيف. وعند الزبائن “الحال من بعضو”. تشهد الأسواق حركة ناس ذهاباً وإياباً، لكنّها حركة بلا بركة، وقلّما تجد من يدخل إلى محلّ ليشتري قطعة. يقول مازن، أحد العمّال في محل ألبسة في سوق شارع عزمي: “لقد اشتهينا أن يدخل زبون ويُفاصلنا على الأسعار، علماً أن أكثر ما كنّا نكرهه هو مفاصلة الزبائن. اشتهينا عجقة المحلات وحركة الزبائن وصوت المعلّم عم يقلنا نط على المستودع وجيب هيدي القطعة أو جيب هيديك.. أين أيام زمان؟”.

 

بالفعل، كلّ طرابلس تحنّ إلى أيام زمان عندما كانت الحركة قائمة والناس تشتري وتبيع. ويقول عدد من أصحاب المحلّات والتجّار: “بس لو ترجع أيام الدولار 1500 صحيح ما كان الربح كبير بس كنّا نبيع، ما بتعرف قيمة الشيء حتى تفقده”.

 

وكيفما اتّجهت في طرابلس أو البلد، كما يُسمّيها أهالي الشمال، لا تجد إلا الشكوى من الغلاء والوضع المعيشي الصعب وحالة المواطنين الصعبة. متاجر ومحلات تُقفل، ومؤسّسات تصرف عمّالها وموظّفيها.

 

إن تمعّنت في أحوال المدينة اليوم، لوجدت أنها حزينة على الوضع الذي وصلت اليه. فـ”عروس الثورة”، انتفض أهلها على واقعهم المُزري وخذل الدولة وأهل السياسة لهم، فجعلوا منها عروساً تحتفل على مسرح من الحزن والألم. لكنّ واقع الحال يؤكّد أن أبناء هذه المدينة التي تعجّ بالشباب المتعلّم والمثقف، تئنّ تحت وطأة جوعٍ وحرمانٍ كبير، ما جعل منها المدينة الأفقر على ساحل المتوسط. حتى ان نوابها وسياسييها وأصحاب القرار فيها، هم اليوم أبعد ما يكون عن همومها وضيق عيش أهلها. فالمدينة التي انتخبت أشخاصاً هم من أثرى الأثرياء، هي أفقر المدن. والمدينة التي تضمّ أهم القطاعات والمرافق العامة، لو تم تشغيلها لأتاحت فرصاً لشبابها وصباياها بالآلاف والمئات، لكنّهم بلا عمل.

 

السياسة لم تعد تعني للشعب الطرابلسي شيئاً. نواب المدينة غائبون تماماً عن متابعة أوضاعها، حتى اجتماعات، ولو صُوَرية، لا تجمعهم، ومدينتهم في أسوأ أحوالها. صفحات نوابها وأهل السياسة فيها تعجّ بالإنتقادات اللاذعة التي يوجّهها الطرابلسيون لنوّابهم الغائبين عن مواكبة مُتطلّبات طرابلس. الإعتصامات شبه اليومية أمام منازل النواب والمسؤولين السياسيين، كلها أدلّة واضحة على أن الناس في وادٍ وأهل السياسة في وادٍ آخر. فالبيانات والتصريحات واللقاءات لم تعد تُطعم جائعاً، الناس هنا في طرابلس كفروا بالسياسة وتسويفها، وراهنوا على الثورة حتى التغيير. لكنّ التغيير المنشود لم يحصل بعد وأوضاع الناس المعيشية من سيّئ إلى أسوأ، والضائقة الإقتصادية تتفاقم كلّ يوم، فمتى يحدث الإنفجار الإجتماعي الكبير؟ لا أحد يعلم، لكنّه لم يعد بعيداً.

 

إذ لم يعد غريباً أو مُستغرباً اليوم أن تجد شاباً متعلّماً يجلس على قارعة الطريق، ليبيع صناديق البطاطا أو البطيخ والكرز. بل لم يعد من المستغرب، وأنت تمرّ في شارع من الشوارع أو حيّ من الأحياء، أن يأتي إليك رجلٌ ليس بمتسول، ويطلب منك ألف ليرة ليشتري ربطة خبز أو لينتقل بسيارة الأجرة الى مكان آخر. لم يعد مُستغرباً أن يأتي إليك شاب يحمل أي شيء في يده ويقول لك: “بحياة الله اشتريهن مني بأي ثمن”. في طرابلس اليوم عوائل تعيش بخمسة آلاف وعشرة آلاف ليرة، وإذا صودف أن ربّ العائلة لم يعمل ذات يوم، فإن هذا المبلغ لن يكون موجوداً.

 

المواطن الطرابلسي مُسالم مُحبّ للحياة ويريد أن يعيش بكرامة في بلده، لكنّ هذه السلطة بفسادها قد أحرقت الأخضر واليابس، ولم تترك له شيئاً لكي يعيش ويرتاح.