IMLebanon

حِرف طرابلس القديمة تتهاوى وعمران متمسّك بصناعة كراسي القشّ

 

يجلس عمران المكاري على كرسي البلاستيك وليس القشّ، أمام باب محله لتصنيع الكراسي وأواني القشّ، غير آبهٍ لشيء سوى للقمة عيشه التي صارت صعبة المنال.

 

لقد طغى البلاستيك على القشّ حتى وصل إلى محلّ عمران نفسه، في أوسع غزو يقوده الجديد الباهت على القديم وسِحره. فحال مهنة صناعة كراسي القشّ كغيرها من الحِرف في طرابلس، تتهاوى الواحدة تلو الأخرى، ولا خطّة لإنقاذها.

 

في محلّة “باب الحديد” في مدينة طرابلس، تلك المحلّة العريقة وعمرها من عمر طرابلس، يقع محلّ عمران، قبل 40 أو 50 سنة وأكثر من الآن، كانت الأوضاع مختلفة تماماً. كان هناك أشخاصٌ عدّة يعملون بمهنة صناعة كراسي القشّ، لم يكن والد عمران أو جدّه إلا أحد هؤلاء. اليوم، لم يعد يوجد في باب الحديد إلا عمران المكاري، وهو الوحيد في طرابلس الذي ما زال يتمسّك بهذه الصناعة اليدوية، في الوقت الذي لم تعد هذه الصناعة تفي بأغراضها أو تحقّق له مربحاً.

 

يقول عمران لـ”نداء الوطن”: “نعم أنا الوحيد ما زلت أتمسّك بمهنة الأب والأجداد. صحيح أنّها لم تعد تقدّم لي الأسس المادية للحياة الكريمة، لكنّني متمسّك بها لأنّني لا أعرف مهنة أخرى وهي المهنة التي عرفتها منذ صغري من جهة، ومن جهة ثانية لم يعد البلد ككلّ يسمح للمواطن بالعمل والكسب والإرتياح.. كانت هذه المهنة أو الحِرفة كغيرها من الحِرف، تقدّم وتعطي وكنا نغطّي مصاريفنا وكلّ الحاجيات منها. كانت طرابلس كلّها في ذلك الزمن جميلة وكلّ شيء على ما يرام، أما اليوم فكلّ شيء تغيّر. طرابلس كلهّا تغيرت وتراجعت إلى الوراء بفِعل السياسة والسياسيين بدل أن تتقدم إلى الأمام”.

 

وعن المهنة وظروفها يقول عمران: “لقد تأثَّرت صناعة كراسي القشّ والأواني بفورة البلاستيك، التي طغت في السنوات الأخيرة. لكنّ فخامة القشّ وعراقته لا تضاهيها عراقة. نحن اليوم قد نبيع الكرسي بأقلّ من تكلفته فقط لكي نستمرّ بالعمل، من دون ان ننسى ارتفاع الدولار الذي قضى على كل شيء. باختصار، أصبحت هذه الحرفة كما كل الحِرف والمهن، خاسرة، خصوصاً في هذه الأوضاع التي تمرّ فيها البلاد، والتي لم يعد فيها للفقير أي إمكانية للعيش بأمان واستقرار”.

 

وينتقد عمران المكاري بالمقابل بلدية طرابلس “التي، وبدل أن تشجّع هذه الصناعات العريقة والتاريخية، التي تفقدها مدينة طرابلس تباعاً كما تفقد تاريخها وحاضرها وتتلاشى مع مرور الوقت، فإنّها “تفرض علينا دفع الرسوم والقيمة التأجيرية من دون أي تخفيض”. كذلك ينتقد الوزارات المعنية في الدولة “لعدم اهتمامها بالصناعات والحِرف، وأقلّه تلك التي كانت تاريخاً من تاريخ طرابلس، وتندثر مع مرور الزمن”.

 

وعن الثورة في عروس الثورة طرابلس يقول عمران المكاري: “شاركنا بالثورة ونحن مع الثورة حتى تغيير كلّ هذه الطبقة السياسية التي لم تقدّم اي شيء للبلد والشعب، بل أدارت البلد لمصالحها. لا أمل لي ولأهل طرابلس بكلّ السياسيين، كلّهم ضحكوا علينا لننتخبهم، ولمّا انتخبناهم ووصلوا نسوا من أَوصلهم وتركونا”.

 

ويجزم عمران بأنّه “وكثير من أبناء المهن والتجّار وأسواق طرابلس، متروكون ليواجهوا مصيرهم، ومع الأسف المصير قاتم كما يبدو. فالقيّمون على إدارة شأن البلد خرّبوه وخرّبوا حياتنا وتركونا في العواصف نتخبّط، ليس هناك مساعدات ولا اهتمام ولا دعم بل مزيد من الضرائب والرسوم. في كلّ بلدان العالم عندما يكون هناك شخص مثلي ما زال يعمل في حِرفة قديمة تأتي الدولة وتساعده ليستمرّ. في لبنان تأتي الدولة وتفرض علينا المزيد من الضرائب وترفع سعر الدولار حتى تُجبرنا على الإقفال والرحيل”.

 

تجدر الإشارة إلى أنّ معظم المهن في طرابلس في تراجع مستمرّ، وكذلك حركة الأسواق الطرابلسية أيضاً، الأمر الذي يؤكّد أنّ اقتصاد طرابلس في حالة ركود مستمرّ قد تؤدّي به إلى الإنهيار الكامل.