IMLebanon

ليست عنصرية فحسب

 

 

ليس اللبنانيون أكثر أو أقلّ عنصرية من سائر الشعوب. فكل من تحركه الغرائز ولم يرتق الى قناعة أو ثقافة المساواة بين الأعراق والأجناس والأفراد، على قاعدة الأخوة الانسانية وحقوق الانسان وليس اللون أو الاتنية أو اللغة أو الدين أو سائر التمايزات والاختلافات، هو مشروع عنصري بالفطرة أو حين تتوافر له الظروف.

 

والأكيد ان آخر من يحق له الحديث عن العنصرية والدفاع عن النازحين السوريين الذين تعرضوا لاعتداء مذموم في “المنية” هو النظام السوري الذي تسبب في تهجيرهم، وتعتقد وزارة خارجيته في ظل خليفة وليد المعلم أيضاً، ان الناس نسيت استخدام الكيماوي واعتبار الرئيس السوري المعارضين مجرد “جراثيم”، في وصف لا يضاهيه الا وصف القذافي لخصومه بـ”الكلاب الضالة”.

 

ليس حرق الخيم وتشريد عشرات العائلات في الصقيع وتخيير النازحين بين نار تلتهم أجسادهم والفرار حفاة في الحقول مناسَبةً للسجال مع أي طرف يستغل الحادثة الاجرامية لتبييض صفحات سود، أو في المقابل يبرر الفعل الشنيع محاولاً مساواة المعتدين بالمعتدى عليهم. فالواقعة اظهرت الوحشية أكثر من العنصرية، والمرتكبون المستعدون لهذا الإجرام كان يمكنهم ممارسته بحق لبنانيين آخرين وربما أبناء عمومة أو أشقاء.

 

لكن، اول ما يسترعي الانتباه هو هذا الاستضعاف للعمال السوريين، واعتبارهم فئة هشة عاجزة عن نيل حقوقها من رب عمل ظالم أو حقير، ليس لأن نفسه أمَّارة بالسوء فحسب، بل لأن الدولة اللبنانية غائبة وتفسح في المجال لشريعة الغاب، فيأكل القوي حق الضعيف. أما الأخطر فهو هذا الاستهتار بالدولة والاطمئنان الى حمايات نافذين واليقين بالإفلات من الحساب، التي أتاحت لمهاجمي المخيم القدوم بأسلحتهم لترهيب من اختلفوا معهم ثم استخدام العنف وصولاً الى حد احراق مخيم عن بكرة أبيه.

 

تثير حادثة المنية من جديد موضوع اللاجئين السوريين في لبنان. لكنها لا تدفعه خطوة واحدة نحو الحل، بل تعاود تحميل الدولة والمجتمع اللبناني عبء التعامل مع القضية بواقعية ومسؤولية أخلاقية في غياب توافق دولي مع النظام السوري على اعادتهم آمنين، وفي ظل فشل المؤتمر الذي نظمته موسكو في دمشق أخيراً بحضور وزير لبناني تابع لـ”الممانعة” في إحراز اي نجاح عملي باستثناء حملة الترويج. لذا علينا أن نرمي خلف ظهورنا كمية أكاذيب النظام السوري وحلفائه اللبنانيين عن ترحيبه بعودتهم، فيما عباس ابراهيم شاهد على استرجاعهم بالتقطير وحسب تصنيف يلغي حقهم البديهي في المواطنة والشراكة والحرية.

 

حق السوريين في “النزوح الكريم” يُحمّل السوريين ايضاً مسؤولية أساسية في طمأنة القرى والبلدات المضيفة الى انهم نزلاء موقتون، سلاحهم قوة عملهم المشروع وحقوقهم الانسانية ومراعاتهم التقاليد والتزامهم المطلق بالقوانين.

 

نعلم ان السلطة عاجزة في الأمور الكبرى وانها تدفن رأسها في الرمال في قضايا الاغتيالات والتحقيقات بالفساد، لكن لا مبرر لها إن تلكأت عن محاسبة الفاعلين في جريمة “بحَنّين” ليبقى على الأقل مرجعٌ للضعفاء، فلا يُتركون لقمة سائغة للمجرمين.