بدت طرابلس ساحة حرب مفتوحة ومدينة عبارة عن صندوق بريد لرسائل قد تكون أكبر من أزقّتها وأبعد من ملف الحكومة.
لا يوجد حتى الساعة عند أهل الإختصاص من أمنيين أي جواب عما حصل في العاصمة الثانية للبنان، وكل ما يعرفونه أن هناك مخرّبين إستغلّوا الشارع الغاضب ودخلوا على الخطّ وأحرقوا ما استطاعوا الوصول إليه.
وانقسم المشهد في طرابلس بين النظرة السياسية لما يحصل والتي تعتبر سطحية، وبين الصراع الإستخباراتي الذي يبدأ في لبنان ويصل إلى دول القرار الإقليمية والدولية.
وبالنسبة إلى الشق السياسي، فالرئيس المكلّف سعد الحريري الذي تعرّض لهجوم من المتظاهرين، يظن أن من يحرّك التظاهرات فريق رئيس الجمهورية العماد ميشال عون من خلال بعض أجهزة المخابرات، في حين أن فريق عون هو الآخر إتهم الحريري بافتعال الشغب في مناطق نفوذه لكي يضغط عليه للقبول بالتشكيلة الحكومية التي يريدها.
لكنّ أخطر ما يحصل في معارك شوارع طرابلس هو دخول العامل الإستخباراتي على الخطّ وتحوّل المعركة إلى صراع أجهزة داخلية حيث انصبّ الغضب على الجيش لعدم تدخّله وإنهاء حالة “الشواذ” التي تحصل.
يحتاج ما حصل ليل الخميس – الجمعة إلى بعض الوقت لكشف ملابساته، إن لجهة معرفة من حرّك الجهات التي أحرقت المؤسسات في المدينة، أو لماذا لم يُتخذ القرار الأمني الحازم لردع المتظاهرين، لكن المعلومات تشير إلى أن التلكّؤ حصل من كل الأجهزة الأمنية، في حين حاولت جهات سياسية تصويب السهام باتجاه الجيش اللبناني.
وتقول مصادر أمنية لـ “نداء الوطن” أن هناك شيئاً ما حصل، فلو سلّمنا جدلاً أن الجيش تأخّر في التدخّل، فلماذا لم تتحرّك عناصر قوى الأمن الداخلي الموجودة داخل السراي والتي بلغ عددها نحو 600 عنصر، أي ما يفوق ست سرايا، إضافةً إلى عناصر أخرى منتشرة في المدينة، ولماذا لم يصدر أمر حازم من قيادة قوى الأمن بإنهاء حالات الشغب وحماية الأملاك العامة والخاصة؟ وهل السبب طائفي، خصوصاً أن مثل هكذا أعمال مكافحة هي من إختصاص قوى الأمن الداخلي والفرق الخاصة المدربة على مثل هكذا حالات وليست من إختصاص الجيش؟ ولماذا لم تتدخل عناصر الحماية في السراي لحمايته؟ وكذلك لماذا لم تتدخل شرطة بلدية طرابلس للدفاع عن السراي والبلدية؟
ومن جهة أخرى، تؤكد المصادر الأمنية أنه وعلى رغم فداحة المشهد، فإن الجيش لا يريد الإصطدام مع المواطنين الغاضبين والذين يطالبون بلقمة عيشهم، وقد تدخّل عندما إقتُحمت السراي والبلدية وأوقف المعتدين وبعضهم سوريون، في حين أنه لو تدخّل الجيش واصطدم مع المتظاهرين كانت ستصوّب السهام باتجاهه والقول إن الجيش تدخّل لقمع الشعب، وهذه المقولة كان سيردّدها نفس السياسيين الذين هاجموا الجيش لأنه لم يتدخّل في أحداث طرابلس.
كل تلك العوامل تجتمع لتعطي صورة غير واضحة عن مسار الاحداث التي سيسلكها لبنان في الأسابيع والأشهر المقبلة، وسط الحديث عن دخول أجهزة إستخبارات إقليمية وعربية على خطّ اللعبة وتحميتها للساحة اللبنانية، من أجل تسجيل مزيد من النقاط أو الدفع نحو الحل المنشود، والذي لا يكرّس تفوّق محور على آخر.
عاشت طرابلس أكثر من 20 جولة قتال ما بين 2011 و2014، ولم تنته مفاعيل هذه الجولات إلا بتسوية سياسية بعد تأليف حكومة الرئيس تمام سلام في شباط 2014، لكن الوضع اليوم متداخل سياسياً وإجتماعياً، فإذا تمّ التوصّل إلى حلّ سياسي من سيُطعم الفقراء في طرابلس وكل لبنان بعد انهيار مقوّمات إقتصاد البلد؟