Site icon IMLebanon

الهجوم على الكابيتول… وإحراق بلدية طرابلس

 

ليست سراي طرابلس ولا مبنى بلديتها مبنى الكابيتول، لكن ردود الفعل على مهاجمتهما تتشابه. في أميركا اعتُبرَ اقتحام الكابيتول محاولةً إنقلابية. إهتزت أميركا لها، واضطر المحرّض عليها، الرئيس السابق دونالد ترامب إلى إدانتها، فيما قرر مجلسا الكونغرس السير في محاكمته التي لن تنتهي من دون إدانةٍ ما. مهاجمو الكابيتول كانوا واضحين في مطالبهم. إنهم لا يقبلون بغير رئيسهم رئيساً، لكن الآلة الديموقراطية قالت غير ذلك، والتصويت الشعبي ذهب لمصلحة المنافس بايدن، فكان الإعتداء على مقر السلطة التشريعية إعتداءً على البلاد بأسرها.

 

في لبنان تحملُ الهجمات على مراكز السلطة بُعْداً مختلفاً. الناس تنتخب لكنها لا تحترم ممثليها. ربما لأنها في قرارة نفسها لا ترى اختياراً حرّاً في انتخابها. وقوانين الانتخاب، خصوصاً الأخير منها، جعلت المواطن مجرد ورقة يحتاجها المرشح على لوائح المتناقضات لتثبيت فوزه، وبعدها تنقطع العلاقة بين ناخب وممثل عنه في السلطة. ولذلك، في طرابلس، وفي غيرها من المناطق اللبنانية، يسودُ شعورٌ عميق بالغربة عن السلطة، ليس الآن فقط بل ومنذ زمن بعيد، الأمر الذي يجعل إعتداء المتظاهر على عمود إشارة السير بمثابة صفعة لصاحب السلطة وصحبه. لكن ليس كل من سار في تظاهرة سيسقط إشارة سير أو سيحرق مركزاً رسمياً. هنا تتداخل عوامل شتّى يعرفها الأمنيون والمتظاهرون والسياسيون، إذ ليس الجمهور بطبيعته من دعاة الشغب، فهذا مُسيءٌ ومؤذٍ له ولطبيعة تحركه الجماهيرية، لكن في الجمهور دائماً من يتحرك أبعد من تياره العام، ليتحول غالباً الى مُنفّذ لبرامج أخرى متعددة الأهداف.

 

حصل ذلك على مدى تاريخ التحركات الشعبية اللبنانية، وفي طرابلس نفسها، ولم يكن الإنفلات في مرة عاملاً مساعداً في تحقيق أهداف الناس ومطالبهم، ولدي قصص عن “نضالات شعبية” ضد شركات إحتكارية، كان أصحابها يمعنون في مضغِ تبغ سيجارهم، وهم يتفرجون على حصار سراي طرابلس، بانتظار انتهاء التظاهرة المحقة الى توفير صفقةٍ مُربحة لشركاتهم!

 

ليس الوضع دائماً كذلك، لكن آن الأوان لإدانة أي تعدٍ على مراكز الشعب العامة، فهي مُلكٌ عام، وفيها ملفات واوراق المواطنين وصكوكهم ومستقبل ابنائهم. هذا أولاً، أما ثانياً فإن أحداً لن يمكنه منع الناس من التحرك من أجل معيشتهم، وكل ما فعلته السلطة لهم، يشكل برنامجاً نضالياً كاملاً يخوضون على أساسه معاركهم الحتمية التي لا مفر منها.

 

لقد كانت طرابلس في الأيام الأخيرة عنواناً واختصاراً لهذه المعارك، لكنها لن تبقى وحيدة، ما دام برنامج السلطة الممسكة بالبلد، مزيداً من الإفقار والتجويع والقهر والحبس الكورونيالي، من دون أفق، ولو كاذب، لحكومة تتولى المسؤولية.