Site icon IMLebanon

ورثة المدينة الفاضلة

 

سؤال ذهبي يحتل البرامج الحوارية. ممنوع طرح غيره. وممنوع الإجابة عليه إلا بموجب الأجندة التي تنص على أن مندسين ممولين من أطرافٍ بعينها لغايات بعينها تصب في منحى بعينه يخدم الكباش الدائر بين أركان المنظومة.

 

مرفوضٌ أي طرحٍ آخر… ومدانٌ، وتحديداً تحميل الوصاية السورية والسلطة التي ورثتها مسؤولية ما وصلت إليه الأوضاع ليس في طرابلس وحدها ولكن على إمتداد الربوع اللبنانية.

 

وقمة الدس تتجلى في براءة السؤال المستنسخ عن أثرياء المدينة الذين لا يشفقون على فقرائها ويحسنون إليهم حتى لا يثوروا ويسمحوا للمتآمرين بإختراق صفوفهم.

 

ففي هذه البراءة يضرب الشاطر عصافير عدة بحجر واحد. فيصيب من الوتر المذهبي القاضي بأن يتولى كل مسؤول رعاية أبناء طائفته فقط، لأنهم على عاتقه وليس على عاتق الدولة. ويدين ثراء “البخلاء” الذين غرفوا من خيرات المال العام، ويرفع عنهم تهمة الطمع والتعطيل لأي مشروع يصب في مصلحة طرابلس والشمال، ما لم يدخلوا فيه شريكاً مضارباً ومطالباً بحقوق مماثلة لمناطقهم حتى يشتروا ذمم أهلها، ويزرعوا الفتنة ويدقوا إسفينها… وضرورة حماية الأقليات.. فـ”أحد الموقوفين خطير متطرف له علاقات بمجموعات إرهابية في سوريا”. وعش رجباً ترى تكراراً عجباً لهذه النغمة الكلاسيكية.

 

والواضح أن من وظف المندسين حضَّر سيناريو المؤامرة التي يريد توظيفها خدمة لأجندته، وسارع إلى المطالبة بكشف الحقيقة التي تتلاءم مع بنك أهدافه وتتلوّن غب طلبه، ليستعرض إتهاماته لخصومه ويتباكى على الطرابلسيين “الفقراء” وينبذ من يستغلهم.

 

فالمطلوب أن يتحوَّل البلد الى حلبة مصارعة تسيل فيها دماء المواطنين على إيقاع الجولات من دون أن يسدد أي من أركان المنظومة ضربة قاضية الى غريمه.

 

والجولات الحالية لا تساهم إلا في تهشيم المتصارعين الذين يتابعون المسيرة مشوهين. المهم ألا يقع أحدهم. لذا يترنحون كالمسوخ ويصرون على أنهم ورثة المدينة الفاضلة. وحديثو النعمة منهم في السلطة لا يتخيلون فقدانها، ويستشرسون بإبتذال مكشوف. يعرفون أنهم يزدادون بشاعة. حتى أنهم ينفرون من وجوههم. إلا أنهم لا يجدون بداً في استماتتهم للإستمرار من خلال التنكيل بهذا الشعب، علّه يصبح أبشع منهم. فيتصالحون حينها مع مرآة شناعتهم وقذارتهم.

 

وربما تلوح في سماء هؤلاء المسوخ بارقة أمل مع تلميحات رعوية فرنسية تقبل بحكومة “غير مكتملة المواصفات”، تحمل في طياتها كل الإعاقات التي سوف تكتنفها إذا وُلدت. فلولا هذه الإعاقات لانقطع رزق المسوخ المهددين بالإنقراض إذا سلكت أمور الحكم سلوكاً إنقاذياً يفرض إصلاحات، ويقضي بالحد من الفساد ويضع المسؤول المناسب في المكان المناسب.

 

من هنا الحاجة الى المندسين، في انتظار إنقشاع ضباب التعقيدات الإقليمية، التي توحي بقرب الفرج مع تغيير في السياسات الأميركية، والتبشير بواقعية في التعامل مع إيران وأذرعها، قد ينال منها المعاقبون نصيباً يساهم بتنظيف السمعة ويعوِّمهم ويكرِّمهم بخلاصٍ مما هم فيه.

 

وربما ستستمر هذه الحاجة مدى إستمرار أركان هذه المنظومة، لأن مقتلهم يرتبط بوطن يوضع على سكة الخلاص ليصبح كامل الأوصاف، بمكوناته السياسية والإقتصادية والإجتماعية والتربوية والثقافية. لكن السكة الوحيدة التي يريد المسوخ لنا سلوكها، هي مراكمة الغضب والقهر حتى ننفجر فيتاجر كل مسخ من ورثة المدينة الفاضلة بشظايانا لينال من غريمه.