IMLebanon

“المستقبل” يواجه في طرابلس… “مولوتوف” رسائل أم “قنابل” مخططات؟

 

تنوّعت القراءات حول الأحداث في طرابلس، وكلّ لحّن كلمات الحدث بما يرضي أذنه. كيف لا؟ فالبلاد تعيش حالة فوضى يتمناها كثيرون، ومنهم أصحاب مشروع “اسقاط الهيكل على الجميع” أو “ما بتعمر إذا ما خربت”، واي مسار تخريبي يتم تحويله إلى “بوسطة ثورة”، وجهتها “طريق الفقراء”، بينما بعض ركّابها يضعون “اقنعة الثوّار”، وينقسمون في الأهداف، بين منفّذ المشاريع التهديمية وناقل رسائل سياسية. وربما، ما هي إلا ايام وتنتقل الأنظار إلى بقعة جغرافية أخرى، على مسرح فوضوي، في مرحلة تعيش فيها البلاد اقفالاً على كل المستويات، خصوصاً في الوضع الاقتصادي والمعيشي، أو التعطيلي لتشكيل حكومة تدير شؤون كل اللبنانيين.

 

وليس غريباً أن نشهد فوضى متنقلة تزيد من هشاشة الدولة اللبنانية ومن الصراعات السياسية، بل الغريب أن تكون الفوضى مسلّحة بـ”قنابل حديثة الصنع” أو “المولوتوف”. وصحيح أن لطرابلس تاريخها الخاص مع الأزمات وتُعتبر أكثر المدن فقراً على البحر المتوسط، إلا أن غالبية المدن اليوم باتت “طرابلس اخرى”، والحلول تبقى مقرونة بمدى إعادة مسار بناء الدولة.

 

حرب وصراع عربيان

 

وليست المرة الأولى التي يتعرض فيها سراي طرابلس للاعتداء، فحرب الـ 1975 أيضا شهدت احراق السراي والسجلات فيها، كما ادت الحرب والهجرة إلى سقوط هذه المدينة في مستنقعات خاضعة للاستثمار السياسي. فأي طرابلسي تعيده إلى ما قبل العام 1975 يتذكّر أن هذه المدينة كانت تنبض بالمرافق الاقتصادية التي شكّلت عنصر جذب للعمال من كل لبنان، سواء من بعلبك او الجنوب أو حتى من بيروت، وكانت تعيش “الفيحاء” حيوية اقتصادية وفيها مصفاة ومصب نفطيان ومحطة للسكة الحديد، ولكن الحرب قضت على كل هذا وأدت الهجرة والمعارك إلى اقفال المصانع واستهداف المنشآت النفطية والمرفأ.

 

وأكمل الصراع العربي بين السوريين والفلسطينيين على ما تبقى من المدينة، وتم فتح “خطوط دماء” بين العلويين والسنة. وأكمل النظام السوري خلال الوصاية عملياته القمعية. حروب وجولات قتالية وتدخلات خارجية استخباراتية دفعت بتجار المشاريع الغريبة إلى الدخول لاستغلال الفقر في هذه المدينة، فجاء من يحاول تحويل طرابلس إلى إمارة وآخر إلى مدينة خاضعة للنظام السوري.

 

كما كانت طرابلس أكثر المسارح تلبية للاستثمار السياسي، إلى أن دخلها الرئيس الشهيد رفيق الحريري دافعاً الثمن “وعلى القطعة” بـ”كوتا سورية مفروضة عليه عند كل استحقاق أراد انجازه في طرابلس، حتى لو كان مقتصراً على بعض المنح الجامعية”.

 

“ثقة تامة” بالحريري

 

بعد الاغتيال، اعطى الشمال “ثقته التامة” إلى الرئيس سعد الحريري، حتى ان انتخابات العام 2005 شهدت انتخاب شخصيات من خارج المدينة وباسمها (منهم الياس عطالله).

 

يقول سياسي طرابلسي “عتيق” إن “الشمال لم يعط ثقة لشخصية في التاريخ كما اعطيت للرئيس سعد الحريري، وقالها مرّة محسن ابراهيم: كان صائب سلام زعيم المصيطبة وعبدالله اليافي المزرعة ورشيد كرامي طرابلس، لكن الحريري كان زعيما في كل مناطق السنة”.

 

من هنا يمكن العودة إلى أحداث طرابلس، فالسياسي الذي عايش كل مراحل طرابلس منذ حرب العام 1975 إلى اليوم، يرى في التطورات الأخيرة رسالة إلى الحريري، بهدف اظهار عدم قدرته على ضبط الأمور وبأن هناك من هو قادر على صناعة الفوضى في المناطق السنية، وهي رسالة سقطت باحراق مبنى البلدية. غرف النقاش في “تيار المستقبل” تدقق في هذه الأحداث، وتحديداً منذ بدايتها، عندما بدأت محاولات زج اسم “المستقبل”، بمواكبة اتهامية اعلامية بأن “الأزرق” يحرّك انصاره، ليتبيّن بعد ذلك أن الأمر غير صحيح، وكانت مواقف الرئيس الحريري قاطعة في هذا المجال.

 

“هناك من يعمل على صناعة مخطط اشتباك بين طرابلس والدولة” هكذا يقرأ “المستقبل” ما حصل، فطرابلس ليست المكان المناسب للانقلاب على “المستقبل” والحريري، والفوضى العامة لا تنحصر نتائجها بجهة واحدة بل ستطال كل القوى السياسية، في المقابل، يتوقف المستقبليون عند رد فعل المدينة القوي بوجه ما حصل والعنيف رفضاً لتأمين الغطاء للمخطط.

 

إذا لماذا لا يستطيع “المستقبل” ضبط الأمور في طرابلس؟ يجيب مصدر مستقبلي: “المستقبل ابن البيئة الطرابلسية وكل المراحل السابقة كانت فيها طرابلس منصة تُستخدم لتوجيه الرسائل السياسية المحلية والخارجية وعند كل أزمة لا نرى من هو قادر على ضبط الوضع نتيجة تعدد الولاءات في المدينة فضلا عن وجود بقايا أجهزة مخابرات من أيام الوصاية وما زالت تعمل بالسر والعلن. وموقف “المستقبل” حاسم في هذا الاتجاه بأن الاستقرار في طرابلس هو جسر العلاقة السليمة مع الدولة ومؤسساتها”.

 

اعتراف عسكري بالتقصير

 

ولأن أمن طرابلس في عهدة الجيش منذ سنوات، كما ان توزيع المهام بعد ثورة 17 تشرين أعطى للجيش الاولوية في ضبط امن المدينة، وضع “المستقبل” ملاحظات على الجيش ومخابراته “لم تصل حدود الاتهام بالتواطؤ خلافا لكل الانطباعات التي تم تسويقها”، بل السؤال الذي طرحه الرئيس الحريري كان مطروحا في الوسط الطرابلسي وفاعليات المدينة.

 

ووفق المعلومات فإن “المستقبل” نقل ملاحظاته إلى قيادة الجيش التي لم تنكر التقصير في هذه الاحداث، معيدة السبب إلى أمرين، الأول أن مدير المخابرات في الجيش لا يزال حديث التعيين ولم يتسلّم كل أمور العمل ومنها طرابلس، وثانياً ان احدى القيادات الأمنية البارزة مصابة بـ”كورونا” ولهذا السبب لم يكن هناك متابعة مطلوبة. وعلى الرغم من وجود مجموعة تحمل شعار “الثورة” فإن “المستقبل” يعتبر أن “قوته منه وفيه وهو موجود في المدينة كقوة شعبية وسياسية، لكنها ليست قوة أمنية، ويرفض “المستقبل” أن يتحول إلى مجموعة تمارس عمليات أمنية على حساب مهمات الدولة”.

 

الحديث عن الجيش، يعيدنا إلى ما يتذكّره السياسي العتيق، من حديث بينه وبين أحد القياديين العسكريين السابقين، ويقول: “عندما تواصلت الجولات القتالية بين التبانة وجبل محسن، وعدم قدرة أحد على ايقافها، أتى أحد القادة العسكريين ليعرض امكانية انهائها ومن دون نقطة دم، وبالفعل حصل ذلك، وعندما سألته: كيف ذلك؟ قال: تأكد داخل كل مجموعة تنشط في طرابلس هناك شخصان من المخابرات وأجهزة اخرى”.

 

عتب وشغب

 

يعود السياسي الطرابلسي إلى الحديث عن حضور “المستقبل” حالياً، عاتباً على عدم المحافظة على الرصيد الذي حصل عليه الحريري، والسماح للآخرين بمشاركته إياه إلى حد “المساكنة”. وكانت أولى محطات “الانتخابات البلدية” التي صحيح أنها كانت “انتكاسة” في النتائج، لكنها عملانياً أثبتت ان الولاء الفعلي هو لا يزال “ازرق”. وعلى الرغم من ذلك، طرابلس مستاءة من الحريري في لأسباب ثلاثة: “التسوية التي ساهم فيها المستقبل وأوصلت عون إلى بعبدا، قانون الانتخاب الذي نقل الأكثرية النيابية إلى الفريق الآخر، وسياسة أم الصبي التي دفّعت السنة ومنهم أهالي طرابلس الكثير من الاثمان”.

 

فهل عاقبت “الثورة” المستقبل؟ يقول السياسي: “هناك يد أحرقت مبنى البلدية ويد لم تمنع الحريق، ويد تريد استمرار الحريق، ومن حسن الحظ ان ما حصل نزع قشرة عن المخربين، لكن في طرابلس قشور كثيرة: منهم من هم تابعون لحزب الله وهو مسلّح، ومنهم يتبعون حركة التوحيد الاسلامي، ومنهم يتخطون ذلك وهم قلّة ولا يمثلون طرابلس ولا ترغب بهم ويناصرون تنظيمات فاحت روائحها في العالم”.

 

أما المصدر المستقبلي فيرى في مصطلح الثورة: “كلمة فضفاضة، من هم الثوّار؟ وما رأيناه في الايام الأخيرة لا يرتبط بمفهوم الثورة، بل هو شغب ومحاولة التفاف على الثورة الحقيقية التي شاهدناها في الايام الأولى بعد 17 تشرين، ونرى أنه تم استغلال جوع الناس وتوظيفه بالسياسة”. ويستغرب المصدر وجود “اشخاص كانوا في التحركات التخريبية وأتوا من مناطق اخرى، ومنهم اتوا من المتن! فنرى ان هناك قوى سياسية ارسلت مناصرين لها إلى طرابلس، تحت غطاء مناصرة الثوار، فماذا يعني ان يأتي وفد من المتن في يوم احراق البلدية، فمن هم هؤلاء؟ لهذا نرى أن هناك قوى سياسية عملت على تأمين حضور من خارج مدينة طرابلس وداخلها… والجيش لديه موقوفون معروفو الانتماء”.