على قاعدة «أنا وخيي على ابن عمي وانا وابن عمي عالغريب» يعلن الطرابلسيون مواجهتهم مع العهد، وعلى هذا الأساس، إختار المهندسون لهذه المواجهة الحلقة الأضعف شمالاً، أي محافظ الشمال رمزي نهرا، الذي تؤكّد اوساطه أنّه متفاجئ بهذا التصعيد والمطالبة باستقالته من دون مسوغ قانوني، على يد أقطاب المدينة وشخصيات وفاعليات سنّية، تربطه بمعظمها علاقات جيدة على الصعيد الشخصي، لكن يبدو على الصعيد السياسي فضّلوا المواجهة إرضاءً لهوى المدينة السنّي المعارض للعهد، والذي يظهر بشكل قاسٍ من خلال التصعيد ضدّ محافظ الشمال المحسوب على العهد وصهره.
لا يمكن إقناع المراقبين في عاصمة الشمال بأنّ طلب المحافظ رمزي نهرا من رئيس بلدية طرابلس (المتآكلة منذ عهود) حذف صورة التقطها خلسة من محضر استجوابه في مكتبه، بناءً على توصية من وزير الداخلية محمد فهمي لتوثيق خلفيات أحداث طرابلس وحريق البلدية، هو ما تسبّب بكل هذه الحملة على محافظ الشمال والمطالبة باستقالته!
ويسأل هؤلاء: ألا يستدعي المشهد المخزي لحرق أكبر بلدية في لبنان استقالة رئيسها طوعياً ومعنوياً قبل مطالبته باستقالة الآخرين!؟
في المعلومات، انّ سجالاً حاداً دار في الاجتماع الذي دعا اليه رئيس بلدية طرابلس رياض يمق اعضاء البلدية بعد الإشكال مع المحافظ نهرا، والذي تطور لاحقاً طرابلسياً… حيث طرح على الأعضاء رفع دعوى ضدّ محافظ الشمال والمطالبة باستقالته على خلفية الإشكال الذي وقع بينه وبين يمق.. إلّا أنّ المفاجأة كانت بعدم إجماع اعضاء المجلس على طلب يمق، وانسحاب البعض منهم من الاجتماع، وفقدان النصاب. الإعتراض وفق المعلومات جاء على خلفية رفض بعضهم التعمية على مسؤولية يمق أو محاولته حرف النظر عن مسؤوليته عن الحريق الذي التهم مبنى بلدية طرابلس، من خلال توجيه الملامة الى محافظ الشمال وتسليط الضوء على المشكلة معه. وتؤكّد المصادر المطلعة على خفايا النقاش الذي دار في الجلسة، انّ بعض اعضاء المجلس سألوا يمق عن سبب اختفاء الـ 100 حارس المخصّصين لحماية وحراسة مبنى البلدية أثناء اندلاع الحريق. كذلك طالب هؤلاء يمق بالاعتراف، أقلّه بمسؤوليته الحصرية، امام هذا الواقع اذا كان يتجنّب عملياً الاستقالة. فيما لفت بعضهم الى اهمية بقاء محافظ الشمال في منصبه اقلّه في المرحلة الحالية لسببين:
اولاً، للحاجة القصوى لتوقيعه على المعاملات المستقبلية الضرورية بعد حريق البلدية.
ثانياً: منعاً من تأجيج الفتن الطائفية في مدينة طرابلس، إذ لا مبرر قانونياً لطلب استقالة محافظ الشمال، فالمبررات تظهر سياسية بامتياز.
عن غياب حراس بلدية طرابلس الـ100 يكشف العارفون من أبناء طرابلس «انّهم فُرزوا على عائلات اعضاء البلدية… بعضهم لحراسة المنازل والبعض الآخر لابتياع الخضر للبيت وللست ولحراسة العائلة، الأمر الذي حاول رئيس البلدية حجبه عن الأضواء، وخلق اشكالية قد تكون مفتعلة او مدروسة بالتوقيت السياسي، للإيقاع بمحافظ الشمال تحديداً، خصوصاً وأنّ نهرا «جسمه لبّيس».
في المقابل، يلفت المراقبون الى توقيت الحملة التي طالبت باستقالة محافظ الشمال، على الرغم من عدم قانونيتها، مؤكّدين انّ تسابق الشخصيات السياسية الطرابلسية السنّية وحتى الروحية منها، مؤشر الى قرار ما في الخفاء، يدعو الى تحريك المواجهة، بعد فشل الاتفاق على تركيبة الحكومة، يبدأها المعارضون للعهد من خلال مواجهة رموزه في المناطق، في وقت استغلها مهندسو الفرص سبباً للانطلاق في المواجهة، فجاءتهم المشكلة بيت المحافظ ورئيس البلدية على طبق من فضة.
في السياق، أسف البعض من ابناء المدينة من تنصيب طرابلس مسرحاً للمواجهات الذي يُستغل في كل المناسبات وعند مختلف الاستحقاقات: رئاسية، وزارية، نيابية حكومية.
عن هوية البلدية؟
اما بالنسبة الى إعلان المواجهة السياسية من خلال المطالبة باستقالة محافظ الشمال، فيتذكر اللبنانيون جيداً خلافات بلدية طرابلس الشهيرة وإخفاقات أعضائها وخلافاتهم التي تفوقت جولاتها على جولات المدينة الدامية، وبدأت منذ ما قبل الانتخابات البلدية التي اتت بالرئيس المستقيل نادر غزال وبعده سلفه احمد قمر الدين الذي لم يتم التجديد له نتيجة الخلافات السياسية بين اعضائها ونتيجة الضغوط الشعبية والسياسية التي لا مجال للتذكير بها… فيما يتذكر اهل المدينة واللبنانيون جيداً الفضائح التي أحاطت بالبلدية بالجملة وبالتفصيل. ويعلم العارفون بخبايا التركيبات الطرابلسية، الاسرار التي حملتها تلك البلدية الشهيرة، التي لم تنجح يوماً في الالتئام او في الاتفاق على رئيس يجمع عليه كافة اقطاب المدينة السنّية، بل عمدوا جميعاً «بالدور» الى استخدامها واستغلال اعضائها، خدمة لمصالحهم واهدافهم السياسية والشخصية.
وفي السياق، لا بدّ من التذكير بإصرار محافظ الشمال على إتمام الانتخابات البلدية الطرابلسية التي تأجّلت مرات عدة بسبب الخلافات بين اعضائها حيناً او لعدم اكتمال النصاب احياناً أخرى، فيما اصرّ نهرا، وفق القانون، على اتمامها، وهي من اوصلت يمق الى سدّة الرئاسة بعد تصويت الاعضاء بمن حضر، وبعد تعثر طويل الأمد.
الّا انّ البعض يعتبر، انّه لولا تضافر الجهود الباسيلية- الحريرية لتوليد بلدية طرابلس، لما كان الى الآن لطرابلس بلدية ولا رئيس، بل كانت ستبقى معلّقة مطلّقة. إلّا أنّ شهر العسل الذي لم يدم بين الرجلين، وبدأت تتظهر انعكاساته يوماً بعد يوم في كل المحافظات والمجالس والاقضية والمراكز التي اتفق ووافق عليها الرجلان عندما كانا على وفاق ووئام.
يبتسم المراقب الطرابلسي الطاعن في السن معلّقاً على صورة اعضاء مجلس بلدية طرابلس يحيطون برئيسهم وبسمة الوئام تعلو وجوههم دعماَ، بالقول: «منذ يومين كان هؤلاء يتقاتلون في ما بينهم ويعترضون على ممارسات رئيس البلدية وعلى قراراته وعلى غيابه يوم الحريق الكبير، إلا أنّ انتفاضتهم اليوم لا بدّ منها على قاعدة «أنا وخيي على ابن عمي وانا وابن عمي عالغريب».