من المعروف أنّ «طريق الحرير» قد انطلق في المرحلة المعاصرة من دولة الصين، الّا أنّ وباء «كورونا» بات مَثار مخاوف صحية واقتصادية، خصوصاً في طرابلس عاصمة الشمال التي شهدت حركة تجارية واسعة نظراً لمرافقها الحيوية، ولاسيما منها المرفأ. فماذا عن تأثيرات هذا الوباء على بلدان طريق «حزام الحرير»؟
يقول رئيس غرفة التجارة في الشمال توفيق دبوسي لـ«الجمهورية» إنه «للإجابة عن هذا السؤال لا بد من الاستناد إلى معطيات علمية دقيقة، بحيث أنّ الوباء الجديد «كورونا» يفرض ضبابية على مستقبل الإقتصاد في العالم كافة. كما تذهب كبريات المؤسسات المالية الدولية، مثال صندوق النقد الدولي، الى فرض ضبابية على مستقبل الإقتصاد العالمي.
وهذه المقاربة أشارت اليها مديرة صندوق النقد الدولي، في كلمتها التي ألقتها خلال الندوة التي عقدت أخيراً ضمن إطار مؤتمر ميونخ للأمن بنسخته الـ56، وأنه بعد معرفة المزيد عن فيروس «كورونا»، سنحتاج إلى اعتماد تدابير منسّقة لحماية الإقتصاد العالمي. وربما هذه الحال هي التي دفعت جهات إعلامية أميركية وأخرى أوروبية الى الإشارة الى أنّ الأزمة الناجمة من فيروس كورونا تؤثر مالياً واقتصادياً على الصين، وتهدّد خطتها لوَصل دول بعضها ببعض عبر طريق حزام اقتصادي يمتد من آسيا إلى أوروبا فروسيا والشرق الأوسط، كما سيكون لها انعكاسات سلبية على نمو الإقتصاد العالمي في 2020، ولكن يبقى الأمر متوقفاً على قدرة الصين في احتواء مفاعيل انتشار هذا الفيروس، وهي بلا شك قادرة على ذلك.
وعن مصير مبادرة طرابلس عاصمة لبنان الاقتصادية في ظل الظروف الراهنة التي تعيشها وهل يمكن تحقيقها بعد التدهور الإقتصادي الشامل؟
يجيب دبوسي: «لقد تلمّسنا ردود فعل إيجابية جداً على كل المستويات، وتأكيدات على أنّ التوجه نحو اعتماد «مبادرة طرابلس عاصمة لبنان الإقتصادية» وكذلك «المنظومة الإقتصادية المتكاملة»، تشكلان نقلة نوعية لدور لبنان من طرابلس الكبرى، ولمسنا أيضاً رغبة جامحة عند قسم كبير من رجال الأعمال والمستثمرين، سواء أكانوا لبنانيين أم عرباً أم دوليين، بأن يكونوا شركاء فاعلين في تلك المشاريع الكبرى لأنّ منطقتنا الواقعة في شرق المتوسط تحتاج بنحو محوري الى هذه المنظومة الإقتصادية المتكاملة، وأبدوا استعدادهم الكامل لأن يكونوا مُستثمرين في هذا المشروع الحيوي الكبير تحت أي صيغة اتفاق على نطاق الشراكة بين القطاعين العام والخاص، وأمّا «المبادرة» فإنّ مصيرها لا يزال قائماً عند أي حكومة لبنانية لِما لها من قابلية للتحقيق، لأننا نعتبرها مبادرة إنقاذية للحياة الإقتصادية والإجتماعية اللبنانية من طرابلس الكبرى، وأعتقد انه خيار استراتيجي يحقّق النهوض والتنمية المستدامة خصوصاً في ظل هذه الظروف التي يعانيها لبنان على مختلف الصعد. وما نريد توجيهه الى كافة المسؤولين والمهتمّين بشؤوننا العامة أنه من الضروري والمُلح مواكبة ما تريده الاجيال الجديدة وتتطلّع اليه».
ورأى دبوسي أنّ «على المسؤولين ان يكونوا على صورة شعبهم وليس على صورتهم، لأنّ التجدّد الحيوي يستدعي العمل على تلبية تطلعات الأجيال الجديدة والأخذ من تلك الأجيال الصاعدة خريطة طريق لبناء وطن لا يمكن القبول معه بظاهرة الإستبداد لدى أي مسؤول وأن يكتفي هذا أو ذاك بالتقوقع حول شرنقة الذات، وألّا يكون له سوى هدف يهتم به وهو جَني كثير من الأموال واكتنازها».
وعن مواكبة رجال الاقتصاد والاعمال في الشمال للأزمة الإقتصادية والمالية، قال دبوسي: «إنّ غرفة طرابلس والشمال شهدت منذ انطلاقة الحراك في 17 تشرين الأول من العام المنصرم 2019 إجتماعات مفتوحة للهيئات الإقتصادية الشمالية للتداول والتشاور في مجانبة الإنهيار الإقتصادي. ومن طرابلس الكبرى توجهت الى الرأي العام في لبنان محذّرة من الانهيار». وشددت على «أهمية مقاربة الأوضاع العامة بمسؤولية وعقلانية وحكمة، وضرورة أن تمسك الفاعليات الإقتصادية اللبنانية بملفات علمية قانونية دقيقة تتضمن رؤية وأفكاراً وطنية إنقاذية قابلة للتنفيذ، وقد أصدرت توصيات للمسؤولين، منها:
– دعوة مصرف لبنان وجمعية المصارف الى تحمّل مسؤولياتهم المصيرية، وخصوصاً الضغط على المصارف بعدم التخلي عن تقديم خدماتها تجاه الشركات والمؤسسات الإقتصادية.
– دق ناقوس الخطر لدى كافة المسؤولين بأنّ القطاعات الإقتصادية، ولاسيما منها الإنتاجية، تتجه الى إقفال غالبية مؤسساتها، وبالتالي تشريد آلاف الموظفين والعمال من جرّاء التدابير المصرفية الناجمة عن الإجراءات التي تحدّ من التسهيلات والتحويلات المصرفية الضرورية لعمليات الاستيراد، وخصوصاً المواد الأولية منها.
– مطالبة مصرف لبنان بتأمين التحويلات المصرفية لاستيراد البضائع والسلع بالدولار وفقاً للسعر الرسمي للدولار الأميركي.
– الطلب الى وزارة المال تأخير الدراسات الضريبية الى نهاية 2020.
– إيقاف كافة مفاعيل الفوائد المترتبة على السندات المصرفية المتعثرة.
– ضرورة التشديد على أنّ السياسة يجب أن تكون في خدمة الإقتصاد وليس العكس، وهو السائد في المرحلة الراهنة.
– ضرورة الإسراع في الاستجابة للمطالب أعلاه التي تحدّ من الانهيار الإقتصادي الذي نعتقد أنه حاصل فعلاً».