قبل ضم المنية والضنية حيث الوزير السابق أشرف ريفي ضعيف إلى دائرة طرابلس، وقبل الانعطافة في موازين القوى السعودية، وقبل فضيحة منع ارتداء الحجاب في منتجع الميرامار كان جميع الأفرقاء السياسيين في مدينة طرابلس مربكين باستثناء ريفي. أما وقد شدت هذه المفاجآت الثلاث عصب الحصار الحريريّ على ريفي، بات يمكن القول إن الجميع دون استثناء باتوا مربكين في هذه الدائرة الصعبة
طوال العامين الماضيين كانت صور الوزير السابق أشرف ريفي مع الأمير محمد بن نايف تقطع أنفاس بنايات كثيرة في طرابلس تخلت عن واجهاتها كرمى لعيون اللواء. اللواء كان يحرص على زيارة بن نايف كل بضعة أشهر والتقاط مجموعة صور جديدة معه لإقناع المشككين بديمومته أنه حليف وصديق وشريك وليّ العهد الذي سيفوز قريباً بالتاج الملكيِّ.
لكن فجأة أُخرج بن نايف من المعادلة من دون أن يتسنى له الاتصال بـ«سفيره» في لبنان لإعلامه بمصابه، عله يجد العذر الملائم لنزع الصور على عجل و«تركيب» صور جديدة له مع وليّ العهد الجديد محمد بن سلمان. ولعل الحدث بحد ذاته لا يؤثر على ريفي الذي يقول إن علاقته بالسعودية علاقة مع دولة لا أفراد، لكنه يلحق عملياً ضرراً كبيراً به عند من أقنعهم أن بن نايف يحمي ظهره، فيما بن نايف أخرج من المعادلة اليوم. لا ضرر مباشراً ربما، لكن الضرر المعنويّ غير المباشر موجود وكبير. وكانت مفاجأة المملكة قد سبقتها ضربة انتخابية حريرية موجعة لريفي تمثلت بضم قضائي المنية والضنية إلى طرابلس نتيجة معرفة الحريريين أن ريفي ضعيف جداً فيهما. ولأن المصائب تجر مصائب تحولت نعمة «ميرامار» بالنسبة لريفي إلى نقمة حقيقية بعد رفض إدارة المنتجع المحسوب عليه السماح لإحدى السيدات المحجبات بالسباحة.
فماكينتا الحريري وميقاتي المتربصتان بريفي وجدتا بما كتبته السيدة الغاضبة على «فايسبوك» أعظم هدية يمكنهما استخدامها للتحريض على ريفي الذي يدّعي التقوى في المدينة فيما «تهان» المحجبات في «منتجعاته». وهكذا انتقل وزير العدل من الهجوم الدائم إلى الدفاع عن النفس، لأول مرة منذ زمن طويل. في وقت تؤكد مصادر المستقبل في المدينة أن الحصار الخدماتي المطبق على ريفي منذ تشكيل الحكومة بمشاركة جميع أفرقائها بدأ أخيراً يؤتي ثماره. فالكثير من طالبي الخدمات الاستشفائية والتربوية وتلك المتعلقة بقوى الأمن الداخلي باتوا يعلمون أن عليهم إدارة ظهورهم لريفي، حالهم من حال أفراد آخرين سبق له أن خدمهم لكنهم يحتاجون إلى البقاء في مواقعهم. وبموازاة الحصار الخدماتي هناك فشل تجربة البلدية التي كان يمكن أن تضيف إلى رصيده القليل، وحصار إعلاميّ كبير يجعل من مواقع التواصل الاجتماعي المتنفس شبه الوحيد له. ولعل مواقف ريفي السياسية ما تزال هي نفسها لكن إخماد الجبهات الطرابلسية وتجاوز الأحداث السورية مرحلة المزايدات وملل الجمهور من تكرار الشعارات نفسها يفقد وزير العدل السابق الكثير من بريقه. علماً أن ريفي في الانتخابات البلدية الأخيرة كان يتعامل مع مدينة طرابلس حصراً، من دون القلمون والمينا والبداوي، وكان يكفيه التركيز على بعض الأحياء الشعبية. أما اليوم فهو يطرح نفسه كزعيم على مستوى الوطن سيخوض الانتخابات في كل الشمال وكل البقاع وبيروت والشوف وهو ما يشتت جهوده ويحتاج إلى ماكينة ضخمة لم يتضح بعد ما إذا كانت موجودة.
في المقابل يبدو تيار المستقبل أفضل قليلاً ــ لا كثيراً ــ مما كان عليه قبل بضعة أشهر. فبعد إقفال أبواب المكاتب و«خربان بيوت» الموظفين، هناك من يستقبل الناس أقله الآن ويسعى لحل مشاكلهم. وتقول مصادر المستقبل إن هناك أكثر من مئة مراجعة يومياً يتمكنون من حلها، غالبيتها ترتبط بوزارات الداخلية والصحة والتربية والاتصالات، والتنسيق جيد جداً مع وزارة الأشغال العامة. علماً أن الورش التابعة للهيئة العليا للإغاثة ومجلس الإنماء والإعمار تعمل على مدار الساعة في المدينة، ليتمكن رئيس الحكومة من القول إنه أنجز أمراً ما. وتؤكد مصادر في الفريق الحريريّ في هذا السياق أن ماكينتهم نجحت في استعادة عدد كبير من الناشطين الجديين الذين نزحوا باتجاه ريفي في مرحلة سابقة لأسباب سياسية أو مادية، بعد دخول الرئيس الحريري شخصياً على خطّ التواصل معهم. ولعل إحدى أبرز مشاكل المستقبل هي عدم وجود أسماء جديدة يمكن أن تقنع المواطنين أنها بديل جدي ممن جربوا أكثر من ثلاث دورات وأعطوا كل ما يستطيعونه. ففي عكار والمنية والضنية يصطف عشرات المرشحين الذين يمكن الحريري أن ينتقي منهم أياً كان ويقول للناخبين إن النواب الحاليين لم يكونوا على مستوى طموحاتهم ولذلك سيعمد إلى تغييرهم. أما في طرابلس فهو مضطر لخوض الانتخابات بـ«العدة» نفسها، ويمكن أي مواطن أن يصارحه القول إن هؤلاء جُرِّبوا ثلاث دورات من دون التمديد. فالنائب سمير الجسر عُيّن وزيراً للعدل أول مرة عام ألفين، ونسيبه الوزير محمد كبارة نائب منذ عام 1992. وتجدر الإشارة هنا إلى أن تيار المستقبل سمى في انتخابات 2009 خمسة من أصل نواب المدينة الثمانية، لكنه يعتبر اليوم أن التنافس السنيّ المحتدم لا يسمح له بتجيير أية أصوات سنية إلى المرشح العلوي على لائحته أو الأرثوذكسيّ أو المارونيّ، وهو يحتاج إلى مرشحين أقوياء من هذه الطوائف ــ كالنائب السابق جان عبيد ــ ليضمنوا فوزهم بأنفسهم. وفي كل الحالات خاسر على نحو شبه مؤكد المقعدين الأرثوذكسي والعلوي ويخوض معركة طاحنة لإيصال ثلاث مرشحين سنة، من بينهم النائب محمد الصفدي. فمصادر المستقبل تؤكد أن التحالف مع الصفدي حتميّ ونهائيّ، فيما تؤكد مصادر طرابلسية أخرى أن الصفدي أخذ على عاتقه تمويل اللائحة المستقبلية التي يتطلع إلى ترؤسها. ويذكر هنا أن الصفدي لديه الماكينة التقنية التي يمكن اعتبارها الماكينة الأقوى.
في المقابل، الجسر وكبارة قلقان، لكن الأول أكثر قلقاً من كبارة باعتبار الأخير قادر على إنقاذ نفسه بنفسه فيما الجسر يتكل على المستقبل بشكل كامل. ولا شك أن أكثر ما يحلم ريفي به هو إسقاط مؤسس تيار المستقبل وحجر الزاوية الحريرية في المدينة. علماً أن معركة طاحنة تدور فوق الطاولة بين المستقبل وريفي لكن هناك معركة أشرس منها تدور تحت الطاولة بين الصفدي وميقاتي. فرئيس الحكومة السابق يعتبر أن ريفي وتيار المستقبل يتشاركان الصحن نفسه، فيما هو ووزير ماله يلعبان بالملعب ذاته. فنفوذ ميقاتي يطال معظم مجموعات المدينة وأحيائها لكنه يرتكز على مجموعة صغيرة من بورجوازية طرابلس التي ينشغل الصفدي منذ سنوات بتوطيد علاقته بها. علماً أن النظام الانتخابيّ السابق كان يسمح للجمهور المشترك بين ميقاتي والصفدي بانتخاب كل منهما، فيما يفرض القانون الحاليّ على الناخبين اختيار واحد منهما. ومقابل ثنائي الحريري – الصفدي وسولو ريفي هناك ثلاثي ميقاتي – كرامي – فرنجية ممثلاً بالصوت العلويّ الوازن في المدينة. ومن يطلع على أرقام الناخبين وتقديرات الماكينات يستنتج بسرعة أن هناك خمس قوى سياسية سنية في المدينة (الحريري – ميقاتي – ريفي – الصفدي – كرامي) وخمسة مقاعد للطائفة السنية فلا يفترض أن تكون هناك مشكلة، إلا أن المشكلة تكمن في اعتقاد كل من الحريري وميقاتي أنه قادر على الفوز بمقعدين سنيين لا مقعد واحد، في وقت يذهب ريفي في أحلامه حد القول إنه قادر على الفوز بمقعدين أقله إضافة إلى مقعده.