عاشت طرابلس أمس ارتباكاً كبيراً على خلفية شائعات مفادها أن المدينة تشهد تحرّكات احتجاجية رفضاً لقرار الرئيس سعد الحريري تبنّي ترشيح العماد ميشال عون لرئاسة الجمهورية، ما جعل شوارعها تخلو، بالتزامن مع خطاب الحريري، من السيارات والمارّة، تحسباً لأي ردود فعل.
غير أن «قطوع» خطاب الحريري مرّ على خير، بعدما أعلن أبرز طرفين معارضين لتوجه الحريري، وهما الرئيس نجيب ميقاتي ووزير العدل المستقيل أشرف ريفي، أنهما لن يستعينا بالشارع لهذه الغاية.
فقد أكدت مصادر مقرّبة من ميقاتي أنه «مع احترامه لحقّ الناس في التعبير عن آرائهم بالطرق الديموقراطية، إلا أنه ليس من مؤيّدي خيارات الشارع التي تنعكس سلباً على مجمل الأوضاع، بل ستكون معارضته دستورية وضمن إطار المؤسسات الدستورية».
أما ريفي، الموجود خارج لبنان، فسادت أجواءه حال من الارتباك، بعدما طلب مدير مكتبه رشاد ريفي من المناصرين «الالتزام بالهدوء»، مؤكداً «أن أي دعوة للتحرّك تصدر عن مكتبه حصراً»، ردّاً على دعوات وجّهها مناصرون لريفي من أجل «التحرك الكبير بعد إعلان الحريري ترشيح عون، رفضاً لبيع دم الشهداء، ورفضاً للانبطاح».
مصادر ميقاتي: مغامرة جديدة قد تقود الى مزيد من الانقسام والتأزم
الخوف من اللجوء إلى الشارع نبع لدى مختلف الأطراف، وفق مصادر أمنية، من «خشية أن تعود طرابلس لتلعب دور صندوق البريد، وأن تشهد تبادلاً للرسائل السياسية والأمنية المتفجرة، كما حصل سابقاً، بهدف تعطيل قرار الحريري بانتخاب عون، أو على الأقل تأجيله».
وأشارت هذه المصادر إلى أن «جهات سياسية تعمل على ضخّ معلومات في الشارع لتصوير قرار الحريري بأنه هزيمة للطائفة السنيّة، ما سيجعل الخطاب التصعيدي يطغى على كل ما عداه».
هذا الارتباك لم يعشه الشارع فقط، بل عاشه النواب أيضاً، وعلى رأسهم نواب التيار الأزرق، الذين تلقوا اتصالات من مناصريهم تحذرهم من أنهم في حال انتخابهم عون فسيخسرون أصواتهم في الانتخابات النيابية المقبلة، إضافة إلى تلقّيهم على هواتفهم الخليوية فيديوات تسجل مواقف سابقة لعون بالصوت والصورة، يعلن فيها موقفه «المعادي» للحريري والطائفة السنيّة.
غير أن ساعات ما قبل خطاب الحريري لم تكن كما بعده، إذ سرعان ما تبين أن كلامه أعطى مفعوله في الشارع الطرابلسي الذي بقي هادئاً، بعدما وصفت مصادر سياسية خطابه «بأنه عاطفي، الهدف منه استمالة الجمهور وكسب ودّه، ولفت نظره إلى أنه ضحّى من أجله وخاطر، وهو مستعد للتضحية والمخاطرة أكثر، وهو خطاب استطاع عبره سحب البساط من تحت معارضيه الذين كانوا ينتظرون الفرصة للانقضاض عليه، وفي الحصول على تعاطف الجمهور الذي يقف عادة مع المضحّي والمظلوم».
ورأت هذه المصادر أن الحريري «إذا ما عاد إلى رئاسة الحكومة، فإن أكثرية هذا الجمهور ستعود إليه»، معتبرة أن «أي تحرّك احتجاجي وأعمال شغب في الشارع من قبل خصومه ضده لن تلقى قبولاً، وهي ستنقلب عليهم وستصبّ في مصلحته».
وعلى صعيد المواقف المعترضة على خطاب الحريري وتبنّيه عون، سواء من داخل تيار المستقبل أو خارجه، غرّد الرئيس ميقاتي معتبراً أنها «مغامرة جديدة نخشى أن تقود الوطن إلى مزيد من الانقسام والتأزم». كذلك غرّد وزير الاتصالات بطرس حرب بدوره: «مبروك للشعب اللبناني لقد انتصر الابتزاز السياسي»، بينما أعلن النائب أحمد فتفت «رفض هذا الخيار لمجموعة كبيرة من الأسباب والمعايير السياسية، ولأنه لا ينسجم وقناعاتي الوطنية والسياسية»، في حين رأى النائب السابق جهاد الصمد أن الحريري «اجتاز معمودية النار، وتجاوز مفهوم المصالح الضيقة التي تعوّدنا عليها من قبل الطبقة السياسية اللبنانية».