إنعكس الخلاف بين الرئيس سعد الحريري واللواء أشرف ريفي على بلدية طرابلس التي تستعدّ على ما يبدو لمعركة كبيرة تختلف عن كلّ المعارك التي ستشهدها المدن اللبنانية.
فخصوصية طرابلس وموقعها وكثافة الناخبين فيها، تجعل الأمور أقرب الى انتخابات تتخطّى الطابع الإنمائي على أهميته، خصوصاً بعدما عاشت المدينة سلسلة طويلة من الأزمات الأمنية والسياسية، في مرحلة ما بعد إسقاط حكومة الرئيس سعد الحريري، وتولّي الرئيس نجيب ميقاتي تشكيل حكومته التي كان فيها لـ»حزب الله» وحلفائه الأكثرية.
في مشهد طرابلس يبدو واضحاً أنّ هناك اتجاهاً لإتمام تحالف بين «المستقبل» وكلٍّ من الرئيس ميقاتي والنائب محمد الصفدي، وهذا التحالف لم تبرُز ملامحه بعد لأسباب عدة أبرزها الصراع على الأحجام داخل التركيبة البلدية كما الخلاف على إسم رئيس البلدية.
وليس صحيحاً كما تقول المعلومات إنّ النقاش يقتصر على التوافق على إسم الرئيس على أن تترك له حرية اختيار الأسماء، بل إنّ ما يجري من مفاوضات يتركّز حول الاتفاق على كلّ أسماء المجلس البلدي وتوزّعها في طرابلس والميناء، ومن هنا فشلت الاجتماعات في التوصّل الى اتفاق لكنّ ذلك لا يعني أنّ المفاوضات انتهت، بل هي مستمرة.
الواضح أنّ كلَّ طرف من الذين يتفاوضون للتوافق في طرابلس له حسابات مختلفة عن الآخر. فالرئيس نجيب ميقاتي وجَد في الخلاف بين ريفي والحريري فرصة ذهبية، لتعزيز موقفه وحجمه، ويقول بعض مَن شارك في المفاوضات إنّ ميقاتي يتعامَل مع «المستقبل» وفق قاعدة أن له الأرجحية في طرابلس، وأنّه انطلاقاً من ذلك له الحق في تحديد حجم بقية الأطراف ومن ضمنها «المستقبل»، وهذا ما لم يقبله نواب «المستقبل» الذين رفضوا طروحات ميقاتي، كما أنّ الأخير وبموازاة مفاوضاته مع «المستقبل» يحاول مدّ اليد من تحت الطاولة لريفي، عارضاً عليه عروضاً سخيّة في الانتخابات البلدية، والنيابية.
أما حسابات «المستقبل» فهي مختلفة، فالرئيس سعد الحريري دشّن منذ عودته الى لبنان رحلة مصالحات جديدة شملت قوى سنّية من «8 آذار»، وحظيت خطوته بعدمِ ممانعةٍ سعودية، وفق قاعدة ترتيب البيت السنّي في هذه المرحلة بالتي هي أحسن، وانطلاقاً من ذلك رتّب الحريري تفاهماً بلدياً في بيروت، وتفاهماتٍ في البقاع الغربي وغيرها من المناطق، وهو أيضاً ما يريد تطبيقه في طرابلس مع ميقاتي، لكنّ المفارقة في التفاهم الطرابلسي أنّ ميقاتي يتعامل مع «المستقبل» بمنطق قوة، وهو ما ستُحسم نتائجه قريباً على صعيد تشكيل لائحة ائتلافية أو عدم تشكيلها.
في المقابل، لم ينتظر اللواء ريفي ما ستؤول اليه المفاوضات بين «المستقبل» وميقاتي، فأعلن دعمه لائحة سوف تشكلها رموزٌ شبابية في طرابلس تراعي تمثيل المناطق الشعبية، هذه اللائحة يتمّ التحضير لها بطريقة مختلفة عن آلية التقاسم الحزبي، وهي ترتكز على الإتيان بوجوهٍ جديدة وقادرة على النهوض بطرابلس، كما أنها ستكون خارج الاصطفاف الحزبي الذي يرفضه ريفي كونه ائتلافاً مركباً وهجيناً، لم يصلح لأن يكون نموذجاً في المجلس البلدي السابق، ولن يصلح اليوم، لأنّ الأطراف التي تتشارك فيه لا تلتقي على أيّ قواسم سياسية ولا تحمل رؤية إنمائية للمدينة.
تنتظر طرابلس حسمَ مفاوضات «المستقبل» وميقاتي، كما تنتظر ولادة لائحة المجتمع المدني المدعومة من ريفي، وكلّ ذلك يحصل على إيقاع مشهد سياسي جديد عنوانه الخلاف بين الحريري وريفي، والتقارب الطارئ بين الحريري وميقاتي، فيما تؤكد كلّ الأوساط أنّ «المستقبل» وريفي قادران لو تحالفا على الفوز ببلدية طرابلس والميناء، وتبقى الأمور مفتوحة على كلّ الاحتمالات، في انتظار فتح الصناديق.