IMLebanon

طرابلس وتيّار المستقبل: ولّى زمن الولاء الكامل

هي المرة الأولى التي يجد فيها تيار المستقبل نفسه محشوراً في مدينة طرابلس. فعاصمة الشمال التي تحوّلت منذ عام 2005 قلعة حصينة للتيار الأزرق، لم تعد على هذا النحو، وبات يصارع من أجل الحفاظ على الحد الأدنى من تماسكه ووجوده فيها.

خلال ستة أشهر تقريباً خسر تيار المستقبل في المدينة الجزء الأكبر من نفوذه، وأصيب بخسائر سياسية وانتخابية عديدة لم يتعرض لها على مدى 11 عاماً، فقد معها توازنه وشعبيته بوضوح، ما جعله أمام واقع صعب لم يكن أشدّ المتشائمين في صفوفه يتوقعون أن يصل إليه يوماً.

ففي الانتخابات البلدية التي جرت صيف هذا العام، تعرضت لائحة التحالف السياسي الواسع التي كان تيار المستقبل ركناً رئيسياً فيها إلى جانب الرئيس نجيب ميقاتي والنائب محمد الصفدي والوزير السابق فيصل كرامي والجماعة الإسلامية وجمعية المشاريع الخيرية الإسلامية، لهزيمة ساحقة أمام لائحة مدعومة من الوزير «المتمرد» أشرف ريفي، الذي جعل القيادة الزرقاء تعاني أرقاً لا تزال تداعياته مستمرة.

هذا الأرق تضاعفت حدّته أول من أمس في جلسة الثقة بحكومة الرئيس سعد الحريري في مجلس النواب، بعدما تبين أن طرابلس مستاءة جداً من تمثيلها في الحكومة الثلاثينية بحقيبة وزارية واحدة فقط، أعطيت للنائب محمد كبارة، ليست سيادية ولا خدماتية.

وترجم هذا الاستياء الطرابلسي عبر أشكال مختلفة، إذ غاب أربعة نواب عن جلسة الثقة، ما عُدَّ حجباً غير مباشر للثقة، وحجبها نائب واحد، ولم يمنح الثقة للحكومة سوى نائبين عن المدينة من أصل 8، هما كبارة وسمير الجسر، بعدما استقال النائب روبير فاضل.

غير أن أزمة تيار المستقبل في طرابلس لا تقتصر على هذا الجانب وحده، وليس الاعتراض محصوراً بنواب المدينة وحسب، بل هناك قوى أخرى فاعلة ورئيسية في عاصمة الشمال تجهّز عدّتها لمنافسة التيار الأزرق أو لردّ اعتبارها بعدما سلبها التيار حضوراً فاعلاً، أو تعد شروطاً قاسية قبل قبولها التحالف معه سياسياً وانتخابياً.

ويأتي على رأس هؤلاء، ريفي الذي أوجد لنفسه «حالة» سياسية مستقلة عن تيار المستقبل، وهو يُعدّ نفسه لوراثته سياسياً في طرابلس والشمال على أقل تقدير. إضافة إلى كرامي الذي وجد أن تقاربه مع الحريري أضره أكثر ممّا نفعه، وأن الأخير يهدف من وراء فتح قنوات حوار مع الشخصيات السّنية المعارضة له إلى استيعابهم واحتوائهم، وليس تعزيز وضعهم الذي سيكون لا محالة على حسابه.

وإلى جانب ريفي وكرامي تحضر الجماعة الإسلامية، التي لا يباعد فقط بينها وبين تيار المستقبل الرؤى السياسية الداخلية والارتباطات الخارجية المتعددة والمتضاربة في أغلب الأحيان، بل إن الجماعة ترى نفسها منافساً رئيسياً للتيار الأزرق، وهي الطرف الوحيد الحاضر والفاعل سنّياً بعده على امتداد الأراضي اللبنانية، وتُعَدّ طرابلس من أبرز المناطق التي تحظى الجماعة بوجود فاعل فيها، وإن إقرار قانون انتخابات نيابي وفق النسبية سيجعلها تحصد مقاعد نيابية عدة على حساب تيار المستقبل دون غيره.

هذه الحسابات المعقدة للتيار الأزرق في طرابلس ليست غائبة كلياً عن بال قيادته في المدينة، التي ترى أن «اعتراض هذه القوى على الحكومة لن يكون تأثيره كبيراً في هذه المرحلة، لأنها ضعيفة، ولأن الحريري عاد بقوة إلى السلطة، وهو سيعزز وجوده أكثر في المرحلة المقبلة». لكنها تعترف بأنه «إذا فشلت الحكومة في بعض الملفات، فإن هذه القوى ستبني على هذا الفشل مواقف لتساعدها في استحقاق الانتخابات النيابية».