التقاعُد “قبل الأوان”… و”التحريف” المفضوح!
في 28/01/2020 توجّه وزير الطاقة والمياه ريمون غجر بكتاب إلى هيئة القضايا في وزارة العدل، يطلب فيه إلزام لجنة إدارة منشآت النفط في طرابلس والزهراني بتطبيق أحكام قانون موازنة الـ2019.
طلب الوزير جاء على خلفية الدعوى التي كان قد تقدم بها موظفو ومستخدمو المنشآت أمام مجلس شورى الدولة لإعفائهم من تنفيذ قانون الموازنة بما أنهم لا يعتبرون أنفسهم من ضمن القطاع العام وبالتالي لا يجب حسم رواتبهم الامر الذي ينعكس على تعويضات نهاية الخدمة لهؤلاء.
الا أنّ الوزير غجر شدد في كتابه على أن المنشآت تعمل وفق المرسوم الاشتراعي رقم 79/77 وهي جهاز اداري خاص لا يتمتع بشخصية قانونية ذاتية، إنما تتبع لوزارة الطاقة والمياه التي تعتبر المنشآت مرفقاً عاماً وتتولى الدولة ممثلة بالوزارة المذكورة ادارته واستثماره وفق الاصول المعمول بها في التجارة والصناعة.
وبحسب الكتاب عينه، “نصت المادة 81 من موازنة 2019 على أنه وخلافاً لأي نص آخر عام أو خاص لا يجوز أن يزيد مجموع التعويضات وملحقات الرواتب اياً كان نوعها او مصدرها من المال العام خلال عام واحد عن 75% من مجموع الرواتب الاساسية للسنة المالية ذاتها.
وذلك يعني أنّ على ادارة المنشآت التقيّد بأحكام موازنة الـ2019 منعاً للوقوع في أي لغط قانوني أو هدر للمال العام”.
كيف حرّف وزير الطاقة الحالي مادة قانونية من المرسوم الاشتراعي عينه الذي استند اليه، وهي المادة الرابعة والتي تنص على أنه “وخلافاً لأحكام قانون المحاسبة العمومية، تمارس وزارة الصناعة والنفط – المديرية العامة للنفط – ووفق الاصول المعمول بها في التجارة والصناعة إدارة منشآت النفط على الاراضي اللبنانية وإدارة جميع القضايا المالية والاقتصادية والتنظيمية المتعلقة بها، وجميع صفقات بيع وشراء وتصدير واستيراد مشتقات النفط الخام”.
وأين دور الادارة العامة في ملف كهذا علماً أنها بدورها خاضعة للقوانين والانظمة المرعية الاجراء بدءاً من ديوان المحاسبة وصولاً الى التفتيش المركزي؟
استقالات… و”مَوْنة”
تشير المعلومات التي حصلت عليها “نداء الوطن” إلى أنّ عدداً من الموظفين قاموا بتقديم استقالاتهم قبل اقرار موازنة 2019 وذلك لتقاضي تعويضات نهاية خدمة على أساس رواتبهم قبل التخفيض. لكن تجدر الاشارة الى أنّ عدداً أكبر من العمال والمستخدمين في المنشآت كانوا قد تقدموا باستقالاتهم الا أنها رُفضت بحكم “المَونة” وقربهم من رئيس اللجنة حيث فُضّل إبقاؤهم في مناصبهم بدلاً من توظيف بدلاء من خارج “الادارة الحاكمة” لئلا تخسر هذه الاخيرة هيمنتها.
اما “بعض” الموظفين الذين استقالوا من المنشآت في طرابلس للهروب من قانون الموازنة، والذين تخطت تعويضاتهم المليار والنصف فهم: م. ح. (مدير منشآت طرابلس)، ب.ع (مدير المالية)، ع.ي. (مدير فني)، أما بعض أولئك الذين بلغ مجموع تعويضاتهم الـ 800 مليون ليرة فهم: ق.ك. (عامل)، و.م. (مسؤول صيانة) م.ج. (اطفائية).
تذكّرنا قضيّة هؤلاء الموظفين وكيف “تحايلوا” على القانون، بنائب حاليّ كان قد شغل منصب رئيس لجنة ومدير عام المنشآت وقد تقاضى تعويض نهاية خدمة بنحو 580 مليون ليرة، قبل ترشّحه للانتخابات النيابية العام 2005، علماً انه لم يعمل في هذا المنصب سوى لفترة عامين.
أين الميزانيات؟
ألهذه الاسباب ترفض لجنة ادارة المنشآت الإفصاح عن ميزانيّاتها، علماً أن النائب أنطوان حبشي كان قد أثار هذا الموضوع في أكثر من إطلالة له؟
لكن الاخطر من كلّ ذلك، يكمن في عدم تحرّك القضاء المعني للبتّ في هذا الموضوع بل اقتصرت التدابير على استدعاء المديرة العامة للنفط والتي يدرك الجميع تماماً أنها شبه مغيّبة حيث استمر الوزراء المتعاقبون على ادارة المنشآت من دون القيام بأي اصلاحات متجاهلين القوانين المرعية الإجراء تماماً. كان حريّ بالقضاء المختصّ استدعاء رئيس لجنة ادارة هذه المنشآت التي تجني أرباحاً باسم الدولة اللبنانية، الا أن إدارتها التي لا يختلف اثنان على أنها “فاسدة” محصّنة من قِبل المحميات السياسية لدرجة يستحيل معرفة أي تفاصيل تدور في فلكها.
تكمن المخالفة في عدم تعيين موظف أصيل خاضع للرقابة والمحاسبة في إدارة مرفق عام أم خاص، تدور في فلكه أرقام بملايين الدولارات.
فهل تستمرّ مخالفة القوانين وخصوصاً قبل مناقصة تزويد معامل الطاقة بالغاز الطبيعي والتي يتم التحضير لها في مرفق عام ذي ادارة غير مكتملة النصاب؟