Site icon IMLebanon

طرابلس تغلي إنتخابياً… فما المفاجأة المنتظَرة؟

على الرغم من الشكوك الكثيرة حول إمكانية إجراء الانتخابات البلدية، فإنّ أطرافاً رئيسية غير راغبة في خوضِها، لأنّها تخشى تجرّع كأسِها المرّة، فيما تبدو أطراف أخرى متحمّسة لجَني ثمار تحالفِها المستجد.

عاصمة الشمال لها خصوصيتُها السياسية في هذا الاستحقاق، كونها المعبَر الإجباري إلى السراي الحكومي الكبير، وهي المدينة ذات الغالبية السنّية، والتي تعبّر بوفرة عن المزاج السنّي.

أمّا تيّار «المستقبل» فيعتبر طرابلس العرينَ الطبيعي لبيئته السياسية، ويتصرّف على هذا الأساس، الأمر الذي لطالما استفزّ قوى أخرى رأت أنّ لها حضوراً وتمثيلاً لا يُستهان بهما.

قد يكون لهذه الأسباب عَقد الحريري سلسلة لقاءات في بيت الوسط منذ عودته من الخارج، فالتقى النائب محمد الصفدي والوزير السابق فيصل كرامي والنائبين محمد كبارة وسمير الجسر، وبَحث معهم في الشأن البلدي. ولكنّ الحريري لم يتوّج هذه اللقاءات بلقاء مع الرئيس نجيب ميقاتي، وبالتالي هو لزوم ما لا يلزم طالما إنّ المشكلة الأساسية هي مع ميقاتي.

كذلك لم يتمّم الحريري التوافق مع مختلف القوى السياسية في شأن مجلس بلدية طرابلس كما أعلنَ في إطلالته التلفزيونية، فتحاشى ذكرَ الوزير المستقيل أشرف ريفي الذي يَعتبره البعض بأنّه صاحب «الحضور الوازن شعبياً» في المدينة.

تقول الأوساط المتابعة في طرابلس إنّ تيار «المستقبل» لم يحسِن التصرّف في قضية المرآب، واعتبَر المشروع وكأنّه استهداف له، واضعاً القضية في سياق التجاذب السياسي، وهو ما يَنفيه الحراك الأهلي جملةً وتفصيلاً، بل يعتبر أنّ «المستقبل» استباحَ مصالح المدينة «في سبيل تحقيق مصالح خاصة».

مواجهة إنتخابية

إلى ذلك توحي المؤشّرات بأنّ التوافق السياسي على الانتخابات البلدية يزداد تحقيقه صعوبةً وتعقيداً، فاللقاء المرتقَب بين الحريري وميقاتي أصبح صعبَ المنال نتيجة بروز الشكليات.

فالحريري يَرغب باستضافة ميقاتي في «بيت الوسط»، فيما ميقاتي يصِرّ على قدوم الحريري إليه تعويضاً معنوياً عن المرحلة الماضية. وبالتالي فإنّ النتيجة تبدو واضحة والأمور ذاهبة نحو المواجهة الانتخابية، أضِف إلى ذلك أنّ قوى أخرى لها وزنُها وفِعلها في الشارع لا يمكن تجاوزُها ويستمرّ الحريري في تهميشها، ومثالاً على ذلك ريفي والنائب السابق مصباح الأحدب وقوى أخرى لن تسير في التوافق السياسي إنْ حصَل.

مصادر مواكبة للشأن المحلّي الطرابلسي سرّبت لـ«الجمهورية» أنّ بعض الوسطاء يبذلون محاولات حثيثة لتسويق لائحة تكنوقراط بلدية تضمّ مجموعة شخصيات من اختصاصات متعدّدة بين لوائح يقدّمها السياسيون.

وفي المقابل هناك من يرى أنّ هذه المحاصَصة السياسية الحاصلة غير مضمونة طالما إنّ تيار «المستقبل» يحاول تمييعَ المواقف الشعبية المعترضة من جهة ويصرّ على استبعاد قوى وفعاليات وتهميشها من جهة أخرى، وهذا ما دفعَ أحد الوسَطاء إلى تقديم عرض غير مباشر لريفي يَمنحه تسمية 3 مقاعد في مجلس بلدية طرابلس مقابل 3 آخرين في بلدية الميناء، مقابلَ صرفِ النظر عن تشكيل لوائح مضادّة، لا بل تشير المصادر نفسُها إلى أنّ العرض ارتفعَ إلى 4 في طرابلس و4 في الميناء، والذي قابله ريفي بالتشديد على حقّ الكفايات الشابّة وهيئات المجتمع المدني بالتمثيل الوافر، ما يَعني عملياً نعيَ التوافق السياسي في مراحله الأولى.

وإذا كان لريفي والأحدب منطلقات في استهداف التوافق المزعوم، فلِمعن كرامي ونجلِه وليد أسبابُهما أيضاً، وفي المعلومات أنّ التنسيق المباشر بين ريفي ووليد كرامي أثمرَ نواةَ لائحة معارضة في الميناء، والاتصالات جارية حول بلدية طرابلس لدعمِ ترشيح شخصيات من المجتمع المدني.

في موازاة ذلك، لم يرُق للأحدب تهميش «التيّار الأزرق» له، وهو الذي ما زال يَستقوي بشعبية ملفِتة في عاصمة الشمال، وقد كان ملفِتاً الاجتماع الحاشد لماكينته الانتخابية، كذلك مشاركته في الاعتصام الحاشد الذي أسقط محاولة تنفيذ مشروع المرآب أمام البلدية.

أمّا المفاجأة لو صحّت، فهي أحاديث في المدينة عن نيّة الأحدب الدخول على الخط البلدي وترؤسِه لائحةً شعبية بالتحالف مع ريفي بوجه التوافق السياسي المزعوم.

الأحدب لا ينفي ولا يؤكّد لـ«الجمهورية» نيتَه تشكيلَ لائحة لمجلس بلدية طرابلس، ويَعتبرها تفصيلاً. ويضيف: «على المعنيين التوضيح والشرح عن مهمّات المجلس البلدي العتيد قبل استعراض المرشحين، لم نفهَم حتى الآن على ماذا اتّفقوا، ولم يطلعونا على رؤية واضحة لمجلس بلدية طرابلس، خصوصاً في ظلّ الواقع المأسوي الذي تعيشه المدينة، كلّ الأمر حتى الآن لا يتعدّى اللقاءات الثنائية.

موضحاً أنّ اللوائح والترجيحات ليست هي المهمّة، بل المهم أن نعرف ماذا نريد؟ وماذا سيُقدّم لنا في المقابل؟ لأنّ السلطة المركزية مقصّرة في حق طرابلس، ووصَلنا إلى مرحلة لا يمكن أن نحصل فيها على أيّ شيء منها، خصوصاً في هذه الظروف، فأقلّ ما يحقّ لأهل طرابلس اليوم أن يضعوا اليد على مقدّرات مدينتهم ويَعملوا فيها.. إذ ماذا سنفعل مع الشبّان الذين حَملوا السلاح؟

وهل من المشروع أن نتركهم فقط مجموعات جاهزة إلى حين الحاجة؟ متسائلاً: هل يُعقل أن يكون لطرابلس فقط 140 شرطياً بلدياً ويوجد فيها نصف مليون نسمة.

ويَرفض الأحدب بالمطلق «منطق التوافق على حصَص التوافق المزعوم»، ويقول: «نعتبره غامضاً ما لم نطّلع على ماهيته والآليات المتّبَعة، وبالتالي نحن غير معنيّين به، كما أنّنا أعلنّا عن ماكينة لمواكبة الاستحقاق البلدي لتشجيع الفئات المختلفة، وتحديداً الشباب غير المنضوين تحت لواء المكاتب السياسية لهذا الوزير أو ذاك النائب».

وأشار إلى أنّه ليس ضدّ المرآب، متّهماً المعنيين بإتمامه بأنّهم «قسموا البلد مع المرآب أو ضده». وأقرّ بأنّه «قد يكون ضرورياً»، ولكنّه في المقابل لم يتلمّس أيّ مخطّط توجيهي متكامل لطرابلس.

وأضاف الأحدب: «من حقّنا أن نعرف إلى أين تذهب أموال المواطن. ولا نعرف لماذا الاستعجال طالما إنّ البلد منقسم حيالَ الموضوع، خصوصاً أنّهم يقولون إنّ هناك انتخابات بلدية!». وأضاف: «لنَرَ في النهاية ماذا سيقول المواطنون في صناديق الاقتراع.»

أمّا بالنسبة للمجلس البلدي التوافقي السياسي المزمع تشكيله، يقول الأحدب لـ»الجمهورية» إنّه سيواجَه بقوى حقيقية، إذا ترأسَ اللائحة أم لا «فليس هو الموضوع المهم، بل الأهمّ أنّنا سنواجه مع هذه القوى».

وأشار إلى أنّهم «رفضوا الحوار والحلول واتّفَقوا على تقاسم المغانم وعلى توافق الحصَص، وهو لن يستطيع أن يكون مع أيّ توافق قائم على المحاصَصة. وقال: «إنّ المشكلة في المدينة ليست بسبب أداء رئيس بلديتها السابق أو الحالي أو حتى بسبب أداء أعضائها، بل لأنّهم جميعاً مكبّلون بعد أن أصبح المجلس البلدي شركة محاصصة لإرضاء القوى العظمى في طرابلس».

ويؤكّد الأحدب أنّه «قادر على إحباط أيّ محاولة للقوى العظمى لتشكيل مجلس بلدي قائم على المحاصصة»، مشيراً إلى أنّه «متأكد من قدرته على المواجهة والربح». لكنّه في الوقت نفسه استبعد أن تجري الانتخابات البلدية في موعدها، مرجّحاً أن تؤجّل، «لأنّ القوى الفعلية ستسعى إلى تأجيلها». ولكنّه لفتَ إلى «أنّ تأجيلها سينعكس سلباً أكثر وأكثر على القوى الطامحة إلى التأجيل».

وانتقد الأحدب مواقفَ قيادات تيّار «المستقبل»، قائلاً: «ضاعوا وضيّعوا العالم معهم»، وذكّرَهم بـ«أنّ تيار المستقبل بقياداته ليس موجوداً في طرابلس». وتابع: «لذلك يجب أن يعلموا أنّ مستشاريهم لا يمكنهم اتّخاذ القرارات بدلاً من أهل المدينة الأصليّين، والتي نفهم بها نحن أبناءَ المدينة وأَخبَرُ منهم بها… فنحن الذين نُقيم هنا، و»أهلُ مكّة أدرى بشِعابها».

وختم الأحدب: «أثبتَ تيّار «المستقبل» أنّه لم يكن لامعاً في قراراته على المستوى الوطني، وهو يأتي في النهاية إلى طرابلس ويقول أيضاً إنّه يريد أن يقرّر عنّا حتى في السياسة المحلية، ونحن نقول له: فليَسمح لنا فيها، فهو فشلَ فشلاً ذريعاً. ولن نقبل بأن يقرّر أحدٌ عنّا».