كان يستحق اعلان مدينة طرابلس عاصمة للثقافة العربية لعام 2024، اهتماماً أوسع مما ناله. وحسناً فعل المدير العام للمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم «الألكسو» محمد ولد أعمر في الرسالة التي بعث بها الثلاثاء الماضي إلى وزير الثقافة في حكومة تصريف الأعمال محمد وسام المرتضى حيث أعرب عن امتنانه وشكره على «حفاوة الاستقبال وحسن التنظيم». وكما يقال: «القليل خير من الحرمان».
وانضم في اليوم نفسه إلى تجمع الشاكرين لوزير الثقافة رئيس حكومة تصريف الأعمال نفسه. وباعتباره ابن طرابلس، لفت الرئيس نجيب ميقاتي إلى أنّ منطلق المناسبة هو معرض الرئيس الشهيد رشيد كرامي. ونوّه بالمكان الذي «أُدْرِجَ أخيراً على قائمة التراثِ العالمي لدى منظمة الأونيسكو». لكنه دعا إلى «استعمالِه من ضمنِ الضوابطَ الفنيةِ والقانونيةِ المعتمدةِ، لتحقيق الوظيفةِ الوطنيةِ التي بُنيَ لأجلها». فهل هناك من داع دعا ميقاتي إلى لفت الانتباه إلى «الضوابط»؟
في أي حال، ما تحظى به طرابلس من تكريم ينال كل لبنان. وفي الوقت نفسه، كان لافتاً ما صرّح به النائب الياس خوري المنتخب عام 2022 عن طرابلس في يوم الاحتفالية الثقافية، خلال مؤتمر صحافي مع زميله النائب أشرف ريفي. فهو لم يفته بداية التنويه بأهمية الحدث الطرابلسي، كما لم يفته شكر المرتضى على جهوده. ثم قال: «سؤالنا للجميع مع معالي اللواء اشرف ريفي للحكومة حول موضوع محطه تكرير مياه الصرف الصحي، فلا يمكن أن تكون طرابلس عاصمه الثقافة العربية وبالوقت ذاته لدينا نواقص نافرة بهذا الشكل».
ثم كشف خوري الواقعة الآتية: «منذ أسبوعين أو ثلاثة استضافت طرابلس مؤتمراً في جامعة بيروت العربية، وحينما وصلنا سارعنا بالدخول إلى المبنى مثل باقي الناس، واللبنانيون في الانتشار كانوا قادمين إلى بلدهم للمشاركة فاصطدموا بهذه الروائح».
من يعرف المكان، يدرك أنّ هناك مساحة خضراء تحيط بمعرض كرامي. ولما كنا ما زلنا في فصل الربيع، من البديهي أن تتصاعد روائح عطرة . فهل وصل الأمر في المكان إلى حد أن تتفوق روائح المجارير على عطور الربيع؟
كان الأمر ليكون هيّناً لو اقتصر على الروائح. بل ذهب إلى حد خطير نبّه اليه ريفي عندما دق ناقوس خطر «أزمة بيئية بكل ما للكلمة من معنى» في طرابلس . وقال: «هناك قضية المياه الآسنة وموضوع جبل النفايات والمواد السامة الكيماوية والنووية الموجودة داخل منشآت نفط طرابلس».
هذا غيض من فيض ما صرّح به نائبا طرابلس. ولم يقتصر مؤتمرهما الصحافي على التنبيه من مشكلة اجتازت العتبة النووية. وانما طرحا حلولاً تبيّن من ورائها أنّ جهداً طويلاً راح في أدراج مجلس النواب وارتمى على أدراج السلطة التنفيذية ممثلة بوزير الطاقة الذي دخل موسوعة غينيس بلقب «وزير العتمة». وها هو اليوم ينال شرف تسمية «وزير روائح الصرف الصحي والنفايات النووية».
حبذا، لو ظهرت احتفالية طرابلس الثقافية مرتدية كمامة التي اتقن الناس ارتداءها في زمن كورونا الذي عرفناه قبل أعوام قليلة. وحبذا أيضاً، لو أنّ الكمّامات تحولت إلى اقنعة يرتديها من يدخل حرم المنشآت النووية. فالحرص واجب في منطقة ليست مدعوة لتكون هذا العام مركزا للاشعاع الثقافي. لكنها اليوم باتت مركزاً للاشعاع النووي والروائح الكريهة.
عن أيّ ثقافة يتحدثون؟ إنّ أطناناً من العطور لو اندلقت في طرابلس وسائر لبنان لن تستر روائحهم التي تزكم الأنوف والعقول.