على وقعِ شعارات التغيير والقضاء على منطق المحاصصة والمحسوبية والهدر، نجحت البلدية الحالية لمدينة طرابلس بالوصول إلى القصر البلدي بغالبية 16 عضواً مدعومين من الوزير السابق أشرف ريفي، وشُكّلت هيئة الطوارئ لإنقاذ الفيحاء على وقعِ تلك الشعارات والوعود.
إلّا أنّ الأوضاع الحالية لبلدية طرابلس لا تبشّر بالخير في ظلّ استمرار التسيّب في اروقة القصر البلدي، وصرخةِ أبناء المدينة الذين أوجعَتهم زيادة الرسوم البلدية مع مفعولها الرجعي وأزمة سير خانقة لم تشهدها مدينة طرابلس في تاريخها وفي أقسى أيام الفوضى، وها هي البلدية اليوم مهدَّدة بالرسوب في الامتحان أكثر من أيّ وقت مضى مع استمرار المحسوبية والهدر، عوضاً عن ضبطه، إضافةً الى خلطِ أوراق سياسية يؤكد العارفون أنّها ستساهم حكماً في عرقلةِ عملِ المجلس المأزوم، وليس العكس.
الفرز لم يعُد سياسياً بين غالبيةٍ تقرّر وأقلّية تعارض، بحيث بات أغلبية أعضاء المجلس الحاليين يهمسون ويشيرون الى وجود مصالح متشابكة بين الرئيس أحمد قمر الدين، والمتعهّدين وبعض الموظفين المتواطئين الذين يتحكّمون فعلياً بالبلدية.
وفي وقتٍ يُنكر بعض الأعضاء وجودَ فساد بالشكل الذي يتمّ الحديث عنه، ويدعون الى تقديم الإثباتات والقرائن، ويشكون من اﻻستهزاء الذي يتعرّضون له عبر وسائل التواصل اﻻجتماعي،
يشير المنتقدون الى مخالفات البناء المرتكَبة في مطاعم شارع 32 في منطقة الضمّ والفرز والتي تخصّ رئيس وبعض أعضاء المجلس البلدي الحالي والسابق، من دون أن تجرؤ الشرطة البلدية على تسيير دورياتها هناك. وقد أقال رئيس البلدية قائدَ شرطة البلدية عبدالله خضر حسب قول بعضِهم لمجرّد قيامه بواجباته، وتمّ تعيين بديل عنه.
وهناك من يشير إلى مخالفة قانونية فاضحة قد تُطاول رؤوساً كبيرة في المصلحة المالية، كما تطاول رئيسَ البلدية، لإقدامهم عمداً على زيادة رسوم البلدية عن سنوات سابقة، متذرّعين بقرار الزيادة الصادر من وزارة المالية مع إقرار الزيادة بمفعول رجعي لسنوات سابقة وهو يكبّد المكلّفين زيادةَ رسومهم من دون عِلمهم، ما يخالف أبسَط القواعد القانونية التي تَمنع صراحةً إقرارَ رسوم وضرائب بمفعول رجعي أو بتواريخ تسبق إقرارَها.
في المقابل، فإنّ العهد الرئاسي الجديد لم يكن مؤاتياً لأوضاع مجلس بلدية طرابلس، ليس فقط ﻻعتبارات سياسية جرّاء خروج اللواء أشرف ريفي من دائرة السلطة الحاكمة، بل أيضاً بعد شعارات العهد الجديد التي رُفعت على أعلى المستويات، أبرزُها وقفُ مزاريب الهدر والفساد في الإدارات العامة، وخصّصت لهذه الغاية وزيراً في التشكيلة الحكومية الجديدة.
ووفق معلومات «الجمهورية»، يَجري الإعداد لملفّ متكامل عن مخالفات بلدية طرابلس تمهيداً لتقديمه لوزير الدولة لشؤون مكافحة الفساد نقولا تويني، بعد الأقاويل من أنّ رئيس البلدية يتجنّب إطلاعَ الهيئات الرقابية المعنية على حقيقة الوضع بحجّة أنه يتابع المعالجات ضمن الهيئات الإدارية داخل البلدية.
انطباع خاطئ وانضباط سائد
وعن هذا الموضوع، يقول رئيس بلدية طرابلس أحمد قمر الدين إنه «انطباع خاطئ جداً، وإنّ الانضباط سائد في بلدية طرابلس الى درجة كبيرة، والامور على خير ما يرام»، موضحاً انّ «بعض القرارات التي لا يكون عليها إجماع تُطرح على التصويت، إنّما عددها قليل، وفي العادة معظم الأمور تسير بموافقة جميع الأعضاء».
أمّا عن المخالفات في منطقة الضمّ والفرز في شارع 32، فيشير قمر الدين الى أنّها «ليست مخالفات بناء، وليس هناك مخالفات فعلية، بل مجرّد سيارات تُركن أحياناً على الرصيف»، نافياً وجود ايّ مخالفة بناء في المطعم المذكور، كما يدّعي البعض، معتبراً انّ الأمر تجَنٍّ عليه وعلى الشارع الذي يُعتبر شرياناً حيوياً في المدينة. وإنّ البعض يرغب بتدمير هذا الشارع، لكنّ البلدية حريصة على تطبيق القوانين في كلّ الأحياء حسب تعبيره.
وعن زيادة الرسوم، يوضح للجمهورية بأنّهم لم يزيدوا الرسوم، إذ إنّها ليست من صلاحيات البلدية، وكلّ ما في الأمر أنّ القرارات بالزيادة أتَت من الدولة عام 2012، فيما طالبَت البلدية اليوم بضرورة تطبيقها مع مفعول رجعي، بعدما تمنّعت المجالس السابقة من تطبيق القرار بسبب خلافاتها، فطبّقها المجلس الحالي وزاد الرسوم، وحسب تعبيره، هي «زيادة بسيطة، غير انّ المواطن لم يتقبّلها».
ويَعتبر قمر الدين «أنّ وضع البلدية الحالي جيّد جداً، وليس هناك مِن عجز مالي، بل هناك فائض، والمبالغ التي تَستحصلها البلدية من زيادة
الرسوم حسب تعبيره «لا تحرز لكي يُحكى بها».
أمّا عن الاتهامات التي تطاوله ومنها انّه يرفض مشاركة البعض في قراراته، فيجيب: «إذا كانت هناك شكاوى من العهود السابقة فليس لديّ علاقة بها»، مؤكّداً انّ «عهده هو الاكثر شفافية، وهو لا يتّخذ أيّ قرار ليس من صلاحياته، كما أنّه يطلِع الأعضاء عليها قبل العمل بها».
ويشير الى انّ «الجلسات لم تتوقّف عن الانعقاد كما يَحكى وأن البلدية تجتمع دوريّاً وبانتظام، وبمشاركة نحو الـ20 عضواً غالباً، وهو حضور قياسيّ حسب قوله، نسبةً الى عدد الحضور في المجالس الماضية، امّا النقاش فهو لا يسمّى تشنّجاً، بل مجرّد آراء مختلفة».
عن أزمة السير، يوضح قمر الدين أنّها «ليست فقط في طرابلس، بل في لبنان بكامله، إنّما تفاقمت في طرابلس بسبب الحفريات الكثيفة والفوضى وعدمِ احترام النظام»، كاشفاً عن انّ «البلدية وضَعت دفتر شروط لوضع إشارات ضوئية على المفارق المهمّة في البلدية، في تعاونٍ مع مجلس الإنماء والإعمار بغيةَ إعداد خطة سير للعمل بها في مدينة طرابلس، وإنّ الموضوع على طريق الحل».
ويَنفي قمر الدين وجود «أيّ اعتبارات سياسية جديدة مؤثّرة على وضع العمل البلدي بعد تشكيل الحكومة الجديدة، لا سيّما في ما يختص بوضعية اللواء أشرف ريفي»، مشيراً إلى أنّ «اللواء لم يطلب منهم ايّ طلب ولا يتدخّل في القرارات التي من شأنها ان تصلح المدينة، وأنهم سيعقدون مؤتمراً صحافياً خلال اسبوع لتوضيح الخطة الجديدة للبلدية».
أمّا بالنسبة الى إقالة رئيس الشرطة، فيشدّد قمر الدين على أنه «فعَلها عندما شَعر أنّ رئيس الشرطة لم يكن يؤدّي دورَه كما يجب، بل كان يتراخى كثيراً مع المواطنين، على الرغم من أنه شخص جيّد إنّما لم يقم بواجبه كرئيس الشرطة، إنْ لناحية قمعِ المخالفات أو تنظيمها، وليس لأنّه غير راضٍ عنه، بل لأنّ مصلحة طرابلس تشكّل أولوية بالنسبة إليه».
من جهته، لم يُنكر عضو المجلس البلدي محمد تامر أنّ «ورثة البلدية ثقيلة «والمواطن كان ينتظر شيئاً أسرع في مسار الإصلاح»، معترفاً بأنه «كان على المجلس الجديد ان يكون اسرعَ بكثير في الامور الأساسية الضاغطة، كالنظافة وتنظيم السير الداخلي»، كاشفاً لـ«الجمهورية» أنّ المجلس الحالي زاد من عدد المستشارين ثلاثة، وهم: مستشار إعلامي ومستشار لشؤون البيئة، ومستشارة لشؤون السير، وتجدّدت عقودهم من خلال التصويت».
ويَلفت تامر إلى «خطط إصلاحية يجرى العمل عليها، ومنها توقيع رئيس البلدية منذ فترة قرارَ تفعيل لجنةِ مراقبة المشتريات، الخطوة التي تُعتبر إيجابيةً تماشياً مع خطة الإصلاح داخل البلدية».
إلّا أنّه لم يُنكر وجود مخالفات في منطقة «الضمّ والفرز»، كما أنّه لم يؤكد أو ينفي حقيقةَ قمعِها، مفضّلاً إعطاءَ البلدية وقتاً أكبر، وعدمَ التشهير بها في الإعلام، خصوصاً أنه ما زال هناك خيوط أمل، حسب تعبيره».
ويوضح: «مع أنّ بعض الأعضاء نصَحوا الرئيس عند استلامه لمهامّه بإعادة تشكيل هيئات داخلية إدارية، كونُ رؤساء المصالح والدوائر القدامى ما زالوا يمسكون الإدارات منذ زمن وعلى الطريقة القديمة فيما القاعدة الإدارية تقول إنه يجب تشكيل إدارة جديدة كلّ خمس سنوات لتحسين العمل، إنّما الرئيس لم يقُم بهذا الأمر بناءً على توصيات معظم أعضاء البلدية التي تشهد اختلافات وليس خلافات»، معتبراً أنّ مقولة الـ 16 عضواً في البلدية أتى بهم اللواء أشرف ريفي ليست دقيقة إنّما الـ16 كانوا متحالفين معه.
عن مخالفات البناء، يكشف تامر عن مخطط توجيهي عام يَلحظ واقع المدينة ككلّ ويتمّ التحضير له. لكنّه يتمنّى الانتظار سنة لنرى بعدها إذا كان سيتحقّق التغيير بعد التوصيات التي رُفعت الى رئيس البلدية بعد العمل الدؤوب الذي استغرق وقتاً طويلاً من اللجان المختصّة، وبعدها لكلّ حادث حديث.