Site icon IMLebanon

زعماؤها اعتبروا الفوز «تحصيل حاصل» فأسقَطتهم الحواصل

 

 

لا شك انّ اللوائح التغييرية خَرقت وأحدثت تغييراً لافتاً في معظم المناطق اللبنانية، إلا انّ نكهتها في طرابلس لم ولن يبتلعها زعماؤها التقليديون لا اليوم ولا في المستقبل القريب، فالضربة كانت قاضية. والحقيقة تُقال انّ انكفاء زعماء المدينة وسقوط رموزها قد يكون الحدث الوحيد الذي شغل الطرابلسيين عن البحث عن لقمة عيشهم ورصد النتائج الانتخابية الشمالية التي أسقطت رموزها فشَفت غليلهم. ولا شك انّ سقوط فيصل كرامي، ابن دولة الرئيس الراحل عمر كرامي وحفيد رجل الاستقلال، في المعركة الانتخابية له رمزية خاصة لا يعرفها سوى اهل المدينة الذين لن يستوعبوا المشهد لوقت طويل.

فالشماليون لا يزالون تحت وقع الصدمة، حتى انّ البعض منهم ما زال يتوقع ان تتغيّر النتائج بسِحر ساحر كما حصل مع البعض في بعض المناطق اللبنانية، إلا ان الامر قد قُضي مع اعلان النتائج النهائية امس. ويبدو انه على الطرابلسيين وزعماء المدينة ان يقتنعوا بأنّ موجة التغيير عالية وضاغطة ولم تعد حلماً لدى البعض بل اصبحت واقعاً، وربما الآتي أعظم.

يَتسابق المحللون الى تفنيد الاسباب فيضع بعضهم اللوم على حلفاء الزعماء والبعض الآخر على انكفاء زعماء المدينة عن الترشح او عن حجب دعمهم السياسي والمالي كما تعوّدوا سابقاً عندما كانت الماكينات الانتخابية لهؤلاء تغزل في المدينة، ومن بينها ماكينات الحريري والصفدي وميقاتي. فيما اعتبر آخرون ان المقاطعة السنية «كرمى لعيونك» هي التي ردّت الجميل لسعد فخفّضت مستوى النسبة المئوية للاقتراع في المدينة التي قلبت النتائج رأساً على عقب، فعجز حتى أهمّ الخبراء في الدراسات الاحصائية عن افتراض هويّة الرابح والخاسر في المعركة الحسابية.

يُجمع ابناء المدينة والعارفون فيها ان تكون تلك الفرضيات او التحليلات قد ساهمت مُجتمعة في حصول تسونامي التغيير الذي حلّ على المدينة، وقد تكون فعلاً تلك العوامل لعبت دورها. وربما هناك أسباب اخرى دفعت الشبيبة الملتزمة مع الزعامات التقليدية عدم التحضّر ميدانياً ولوجستياً بشكل مدروس للمعركة، باعتبار انّ الربح «تحصيل حاصل» الّا انّ زعماءهم أسقطتهم الحواصل ولم تتمكن الحيثية الشعبية لهؤلاء مِن نَشلهم لأسباب عدة، أبرزها غياب المشاريع الانمائية والخدماتية من اجنداتهم بعدما قدموا الشعارات والوعود في عهود وَلّت ولم ينفذوا منها شيئاً… وأمام هذا الواقع لم يكن لدى ابناء المدينة سوى الانكفاء او استعمال التصويت ضدهم في صندوقة بلاستيكية.

أما الاسباب الاساسية فهي سياسية، ويقرأها علماء المدينة كالتالي:
– إعتكاف الرئيس الأدهى نجيب ميقاتي بكل ما للكلمة من معنى، اي سياسياً ومالياً ومَعنوياً، من صلب المعركة ومن رَفع حاصلها لصالح لائحة «للناس» التي اعتبرت بأنها الاقوى، لذلك سَعى المرشحون للانضمام اليها خصوصاً ان الداعم الأكبر هو رئيس الحكومة، الا انه فاجَأ الجميع بعدم تدخّله، الأمر الذي استهجَنه حتى المرشحون الذين ضَمّتهم تلك اللائحة التي لم تتمكن من حصد سوى مقعد وحيد عَمل المرشح كريم كبارة جاهداً للحصول عليه، مُستدركاً ربما نوايا ميقاتي، فخَطّط وجهّز وربح معركته.

الا ان المصادر نفسها تؤكد انّ اعتكاف ميقاتي ليس بريئاً بل انّ الايعاز العربي والسني تحديداً هو ما جَعله يتغافل عن «التحرّك»، وعلى الأغلب انّ كلمة السر كانت اكبر من انتخابات نيابية لبنانية محلية، وهي نفسها التي دفعت ميقاتي للجلوس في الملعب على مقاعد الاحتياط والمراقبة والترقّب في الملعب الشمالي. وربّ قائلٍ بأنها هي ايضاً نفسها التي دفعت بالوزير اشرف ريفي الى موقع الهجوم في الملعب نفسه فأصاب أهدافاً عدة بعضها بفضل عمل الماكينة الانتخابية وبفضل التوزيع الطائفي الذي لعب دَوراً هاماً في حصول لائحة ريفي على المقعدين الماروني والأورثوذكسي بعدما أحكمت ماكينته العمل على توزيع اصوات المغتربين بشكل مدروس على مرشحّي اللائحة.

البعض يَستذكِر المشهدية نفسها مع لائحة ميقاتي عندما ضمّت رموزاً من الموارنة والروم الارثوذكس، اي النائب الراحل جان عبيد والنائب نقولا نحاس، لتتكرر المشهدية اليوم نفسها مع ريفي إنما في ظروف مختلفة، لدرجة أنّ 81 صوتاً تفضيلياً كانت كافية لإنجاح مرشح الطائفة الارثوذكسية على لائحة ريفي، وهو جميل عبود، الذي يمكن القول عنه إنه مستقل اكثر من كونه محسوباً على جهة سياسية، فيما نجحت «القوات اللبنانية» في إنجازٍ تاريخي من خلال خطف مقعد الموارنة وإثبات وجودها في الساحة الطرابلسية، ولهذا الحدث اهمية رمزية لن يتقبّلها البعض في طرابلس بسهولة.

وبالرغم من انّ البعض تلقّف واستوعب خَرق البعض لرمزيته في المناطق الشمالية الاخرى، إلا انّ الامر في طرابلس مختلف لأنّ انتصار «القوات اللبنانية» وحَصد مقعد لها في عقر دار آل كرامي لن تتقبّله العائلة ولا مناصروها، واكبر دليل على ذلك انّ كرامي حتى الآن لم يُسلّم بالنتيجة، وأعلن نيّته الطعن في النتائج.

المشهدية الجديدة تطرح سؤالاً دقيقاً لِما ينتظره اهل المدينة التي يبدو انها، مع اعلان النتائج النهائية، تتّجه الى مشهد المواجهة بفِعل بروز الازمة السياسية التي تُضاف الى ازمتها المعيشية… من جهتها، تؤكد المصادر الامنية لـ»الجمهورية» انّ القوى الامنية التي نجحت واستطاعت استيعاب عواقب حادث مركب الموت الاليم وتمكّنت من السيطرة على الشارع، ستتمكّن ايضاً من السيطرة على اي احداث مفتعلة او مُحتملة بفِعل نتائج الانتخابات التي برأيها لن يكون وَقعها أقسى من الذين قَضوا غرقاً بحادثة مركب الموت، مطمئنة انّ القوى الامنية الشرعية ستبقى وحدها الضمانة والحامية في المدينة.

فيما ترجّح المعلومات التي حصلت عليها «الجمهورية» انّ العنوان الاساسي للخسارة هو غياب الماكينات الانتخابية الجدية والفاعلة لجميع الفرقاء الخاسرين في المعركة، ومن ابرز هؤلاء أقطاب المدينة الذين اعتبروا انّ نجاحهم هو «تحصيل حاصل» فأسقطتهم الحواصل، ممّا يدل الى انّ الماكينات الانتخابية أسقطت الحسابات السياسية. امّا مَن نجح وحصد ارقاماً اساسية، فقد كان له ذلك لأنه امتلكَ ماكينات انتخابية ضخمة عملت جيداً وحَصّنت مرشّحيها فحصدت مقاعد لها، وهي النقطة الأهم في المعركة الانتخابية التي بَدا أنّ البعض يجهلها او تجاهلها. ومن ابرز تلك الماكينات الانتخابية الناجحة في الشمال ماكينة أشرف ريفي، وإيهاب مطر الوجه غير المعروف الذي «عَمل على نفسه» بعد قدومه من الخارج وشكّل بسرعة قاعدة شعبية مَكّنته من إحداث خرق وحَجْزِ مقعد له في البرلمان المقبل.

ولقد برزَت أيضاً ماكينة كريم كبارة، فيما سُجّل غياب العمل الفاعل والتقنية الحديثة لماكينة الوزير السابق والمرشح فيصل كرامي، الامر الذي لم يساعد في نجاحه.

في الخلاصة يمكن الجزم بعد الخرق في طرابلس وفي غيرها من المناطق بضرَورة إحياء يَقظة لدى البعض من الزعامات التي تعتبر انّ حيثيتها الشعبية تبصم من دون ان ترى أفعالاً وخدمة من قبل الزعيم، وتُدرك انّ المزاج العام يتجه نحو التغيير، حتى انّ المعلومات تقول انّ احد أبرز الاقطاب الذي سقط في المواجهة رفضَ الدعم الذي قدّمته له جهة فاعلة، باعتبار انه ليس بحاجة الى المساعدة وأن الوضع والمجموعات التي «يَمون» عليها كثيرة ومتعددة وهي تحت السيطرة. فيما تقول المعلومات ايضاً انّ الجهات نفسها اليوم مُستاءة من ثقة هذا القطب البارز الذي فَشّل نفسه بنفسه.

ويبقى القول انّ تَمَكُّن المرشح الفائز الطبيب رامي فنج من خَرق مقعد سني بفضل الـ5600 من أصوات المغتربين الذين صَوّتوا له بعد تحررهم من الضغط الداخلي الطرابلسي، وبعدما أقنعهم خطابه في ثورة 17 تشرين التي بدأت من طرابلس، كان العامل الابرز في خسارة كرامي لمقعده.

 

امّا النهاية فهي للكلمة الفاصلة، أي كلمة السر السنية الخارجية العربية بامتياز، والتي ما زال أبناء المدينة يتهامسون بها فيما بينهم. إلّا انهم اليوم، وبعد إعلان النتيجة، أصبحوا يُجاهرون بها علناً لأنها لم تعد سراً.