أثبتت المعارك التي جرت بين الجيش ومجموعات «إرهابية»، في مناطق من طرابلس وعكار والضنية خلال عطلة الاسبوع الماضي، أنّ بإمكان القوى العسكرية النجاح في خوض معاركها وحيدة من دون مشاركة سلاح غير شرعي، خلافاً لادّعاءات «حزب الله» بأنّ الجيش «غير مجهّز» كفاية لإنجاز مسؤولياته منفرداً. ولهذا النجاح كما دلّت المعارك الأخيرة شرط وحيد: توفّر غطاء سياسي، كالذي أمّنته فاعليّات الشمال والقادة الروحيون والسياسيون للطائفة السنّية وخصوصاً الحاضنة الشعبية، خلافاً لما تشهده حتى الآن مناطق نفوذ «حزب الله» في شرق البلاد، حيث لم تنجح الخطة الأمنية التي أقرّتها «حكومة المصلحة الوطنية» شمالاً وشرقاً.
ومن أبرز خلاصات أحداث الشمال ثلاث، وفق سياسي سيادي، فهي جدّدت تأكيد انتساب السنّة إلى الكيان والتجربة اللبنانية، وأثبتت قدرة الجيش على الإنجاز وحده، وأسقطت مقولة أنّ السنّة ضدّه وأنّ التي تسانده هي الطوائف المسيحية والطائفة الشيعية.
ويذكّر المصدر بأنّ التشكيك باندراج السنّة في التجربة اللبنانية بدأ منذ إعلان رئيس الحكومة الأسبق رئيس «تيّار المستقبل» سعد الحريري في 14 شباط 2006 شعار «لبنان اولاً«. ويقول «لقد اعتبروا الأمر مجرّد «انتساب إلى شعار» سببه أنّ النظام السوري بيد الطائفة العلوية، وأنّهم سرعان ما سيتراجعون ويعودون للحنين إلى أحلامهم بالوحدة عندما تصبح السلطة في سوريا بيد أبناء طائفتهم«.
لكن الأحداث الأخيرة، وما سبقها في عكار وعبرا وعرسال، أظهرت أنّ ثمّة غالبية ساحقة تنتمي فعليّا للكيان، ولذلك احتضنت بشكل كامل الجيش بما سمح له بإتمام العملية بعد رفع الغطاء السياسي عن «الإرهابيين» ومجموعات «الشبيحة» التي تعيث فساداً بين المدنيين. وهو ما لم يوفّره «حزب الله» مثلاً للقوى العسكرية في شرق البلاد، لافتاً إلى أنّ سلوك «الإرهابيين» يخدم أصلاً مخططات الحزب لأنّه يدعو إلى ترك صفوف الجيش بحيث يزداد ضعفاً وتصح مقولة «حزب الله» بأنّه غير قادر على الإمساك وحيداً بالأمن وبأنّ الحاجة واضحة لمؤازرته «بسلاح غير شرعي».
وأتى البيان الذي أصدره أول من أمس الرئيس الحريري على أهمية خاصة بسبب تسليطه الضوء من دون خوف، على مكامن الخطر، لكأنه يقول «اللهم إنّي بلّغت» وفق وصف المصدر نفسه.
وقد حمل كلام الحريري رسائل عدّة: للطائفة السنّية، للبنانيين عموماً، للدول العربية وللدول الغربية. وللرسائل مغزى موّحد: السنّة طائفة كيانية ملاذها الوحيد الدولة ومؤسساتها وعلى رأسها المؤسسة العسكرية. أما التفلّت من حاضنة الدولة للالتحاق بمجموعات «إرهابية» فمرذول ومُدان ولا بيئة تحضنه، وإن كان معظم ما شهدته الساحة السنّية مردّه الأساس تورّط «حزب الله« في القتال على الأراضي السورية إلى جانب الأسد وما استجلبه من مشاركة كثيفة لمواطنين سوريين مع «الجماعات الإرهابية المحلية». ومن معالم خطة الإنقاذ التي رسمها في هذا المجال «إعداد استراتيجية أمنية متكاملة يتولاها الجيش مع القوى الأمنية الشرعية (…) تكون مسؤولة حصراً عن حماية الحدود مع سوريا ومنع أي أعمال عسكرية في الاتجاهين»..
أما في ما يتعلق بشغور الرئاسة الأولى، الوحيدة بين رئاسات العالم العربي التي يشغلها مسيحي، والتي جدّد الحريري عبثاً الدعوة «لاطلاق مشاورات وطنية للاتفاق» على مَن يشغلها فثمّة مَن يخشى أن تسقط في غياهب النسيان بعد إقرار تمديد ولاية المجلس النيابي لسنتين وسبعة أشهر وفق ما هو متوقع، إلا إذا صحّت الوعود بالعمل بعد التمديد على تسريع الاستحقاق الرئاسي. لكن دون ذلك صعوبات أبرزها تمسّك النائب ميشال عون بالرئاسة وتلطّي «حزب الله» خلفه لانشغاله في سوريا بانتظار تبلور التوازنات الاقليمية. صحيح أنّ المسيحيين مشاركون في أحزمة الأمان المتمثلة بالمجلس النيابي والحكومة، لكن الفراغ الرئاسي، إذا طال أمده وخفّ الاهتمام بإنجازه بسبب التطورات الاقليمية المتسارعة، فسيكون ذلك أمراً لم تشهده البلاد خلال كل سنوات الحرب الأهلية رغم أنّ التمديد طاول ولاية البرلمان مرات عدة.
وتفيد المعلومات بأنّ موعد جلسة الانتخاب الجديدة سيكون منتصف الأسبوع المقبل وهي تأتي في ظل تباين واضح بين مكوّنات «قوى 14 اذار» بين مؤيّد للتمديد ورافض له شكلاً، لأنّ الجميع، وفق المصدر نفسه، على قناعة بأنّ الأمر بات محصوراً بين التمديد والفراغ، إذ لم يعد احتمال إجراء الانتخابات مطروحا مع تأكّل المهل الدستورية.