تراجعت «طحشة» التوزير في طرابلس إلى النقطة الصفر تقريباً، وأطفأ الطامحون في حمل لقب صاحب المعالي محركاتهم، ولو مؤقتاً، بعد التعقيدات الكثيرات التي طرأت، والتجاذبات والسجالات السياسية التي تقدّمت معالجتها على تأليف الحكومة.
فبعد انفجار القلوب الملآنة بين الرئيسين ميشال عون ونبيه بري الأسبوع الماضي، وما رافقه من سجال غير مباشر بين البطريرك الماروني بشارة الراعي ونائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى الشيخ عبد الأمير قبلان، أيقن كثيرون في عاصمة الشمال أن «الحكومة قد أصبحت فعلياً في خبر كان»، كما قالت مصادر سياسية مطلعة.
هذه الأجواء المتشائمة تسود أغلب الأوساط السياسية في طرابلس بلا استثناء، إذ يؤكد أغلبها أن «العقبات التي تعترض سبيل تأليف الحكومة فعلية وجدّية، وستؤخر ولادتها».
في أوساط تيار المستقبل تسود أجواء يختلط فيها التفاؤل بالتشاؤم. فبعد تكليف الرئيس سعد الحريري تأليف الحكومة، بما يُمهّد عودته إلى السرايا الحكومية، ويعيد من جديد ضخ الدم في شرايين التيار الأزرق، ترى أوساط فيه أن الحريري «وجد نفسه محاصراً بشروط وشروط مضادة من الحلفاء والخصوم على حد سواء، وبمطالبهم التي تفوق قدرته وقدرة الواقع السياسي في البلد على تلبيتها».
كيف ستحكم الحكومة من دون فرنجية وحركة أمل وحزب الله؟
في مقابل ذلك، توقفت مصادر سياسية مقربة من فريق 8 آذار عند ما وصفته بـ»محاولات بعض القوى لإثارة حساسية طائفية بالغة الخطورة، برزت من خلال سعيها إلى احتكار تمثيل الطائفة المسيحية لمصلحة فريقين فقط لا غير، في مسعى منها، وفق قولها، لاستعادة ما أمكن من النفوذ السياسي للمسيحيين الذي كان قبل الحرب الأهلية، وبهدف شدّ العصب المسيحي حولها».
وتوضح هذه المصادر أن «المشكلة الحقيقية التي تعترض تأليف الحكومة تكمن في أن فريقاً يرى نفسه أنه انتصر، أو هكذا يُخيّل إليه، وأنه قادم ليأخذ كل شيء، أو كما يقول ليستعيد كل ما يرى أنه كان حقاً له وجرى سلبه منه في ظرف تاريخي معين، وهذا أمر بالغ الخطورة».
وفيما ترى المصادر أن «فريقنا السياسي انتصر في الداخل بانتخاب المرشح الاستراتيجي له، وهو العماد ميشال عون، رئيساً للجمهورية، ومحورنا يحقق تقدماً ويحصن مواقعه في المنطقة»، فإنها تتساءل: «أين خسر فريقنا السياسي حتى نضطر إلى إعطاء القوات اللبنانية أربع حقائب وزارية، وربما أكثر، ونسلم البلد لها تحت شعار استعادة حقوق المسيحيين؟».
وأكدت المصادر أن «وقوف حزب الله وحركة أمل خلف رئيس تيار المردة النائب سليمان فرنجية، ودعمهما له في الحصول على حقيبة وزارية وازنة، هو موقف ثابت، ونابع من قناعات سياسية، ولن يتغير مهما كلف الأمر، ولأن الرجل مستهدف، وهناك محاولات عدة لإلغائه وشطبه من المعادلة السياسية».
ورأت المصادر أنه «وسط هذه الأجواء من الأفضل تأخير تأليف الحكومة بعضاً من الوقت، لأن تأليفها، ولو متأخرة، على أسس سليمة، أفضل من تشكيلها سريعاً، وأن يؤدي ذلك إلى انقسام وتوتر، خصوصاً إذا أُبعد فرنجية عن الحكومة، وتضامن معه بالخروج منها حركة أمل وتالياً حزب الله وبقية الحلفاء أيضاً، عندها كيف ستحكم الحكومة، وكيف ستجري انتخابات نيابية، وكيف ستحتوي التوتر والتشنج السياسي والطائفي الذي سيخيم فوق البلد في أولى أيام العهد؟».