لم يكن أحد ليعتقد بأن التواصل بين جبل محسن ومحيطه يمكن أن يعود، بعد صراع دموي طويل، من باب تفجير انتحاري! ولكن وزير الداخلية المستقبلي نهاد المشنوق فعلها عندما زار موقع التفجير الانتحاري المزدوج وأشاد بردود الفعل الهادئة لأهل المنطقة، كاسراً الحاجز النفسي السميك بين الجبل والمناطق المجاورة له. ولم يكن أحد ليعتقد، أيضاً، أنه ستكون لخطوة الوزير ما بعدها. ظنّ كثيرون أن زيارة المشنوق، بصفته الرسمية لا السياسية، أملتها اعتبارات الموقع الذي يتبوّأه.
إلا أن ما تلاها أحيا الآمال بإمكان البناء عليها لإقفال صفحة نزاع تاريخي مستمر منذ نحو 40 عاماً، إذا ما استتبعت بخطوات جادة.
شجّعت خطوة المشنوق، التي تأتي أيضاً في ظل حوار تبريد الأجواء بين تيار المستقبل وحزب الله، على زيارة وفد من تجمّع الهيئات المدنية في طرابلس، يضم شخصيات من مختلف التيارات السياسية والطائفية والمذهبية، جبل محسن، حيث نفّذوا وقفة تضامنية مع أهالي ضحايا التفجير، واصدروا بياناً تضمّن مفردات «توحيدية» غابت عن الساحة الطرابلسية منذ سنوات طويلة.
علوش: تخفيف
التشنج المحلي والإقليمي يسرّع عودة التواصل
وبلغ التواصل أوجه، أول من أمس، مع زيارة وزير الشؤون الاجتماعية رشيد درباس ممثلاً رئيس الحكومة تمام سلام إلى مقر المجلس الإسلامي العلوي في جبل محسن لتقديم التعازي، يرافقه النائب أحمد فتفت ممثلاً الرئيس سعد الحريري، لتؤكد على مسار التهدئة والانفتاح. ووصل هذا المسار الدرامي ذروته بتصريح درباس بأن «طرابلس، بكل أطيافها، تقف إلى جانب أهالي الجبل بمصابهم الجلل»، وأنه «ليس هناك خط تماس بين أبناء جبل محسن وطرابلس، بل خط تماسك وتعاضد»، وبقول فتفت إن «جرح جبل محسن هو جرح طرابلس، وجميعنا في طرابلس نعيش أحزان جبل محسن»، معلناً أن «صفحة الأحزان والفتنة طويت نهائياً إلى غير رجعة».
هذه التحية الزرقاء، ردّ عليها رئيس المجلس الإسلامي العلوي الشيخ أسد عاصي بمثلها، بقوله إن «المصاب بفقد الرئيس الشهيد رفيق الحريري هو مصاب كل عائلة في جبل محسن»، وإشارته إلى أنه «لا أقول إن في لبنان قوى 8 آذار و14 آذار، وإنما كلنا آذاريون، وربيعنا ربيع لبنان وليس ربيعاً إرهابياً»، قبل أن يختم الجميع بقراءة الفاتحة عن روح الحريري وشهداء جبل محسن.
منسق تيار المستقبل في طرابلس مصطفى علوش، أكّد لـ «الأخبار» أنه «ليست هناك مشكلة بين تيار المستقبل وجبل محسن، لا سياسياً ولا أمنياً، إنما المشكلة بين النائب السابق علي عيد ونجله رفعت ــــ وما يمثلانه من النظام السوري وحزب الله ــــ وبين مختلف مكونات طرابلس التي كانت في الطرف الآخر، وقد أخذت هذه المشكلة طابعاً مذهبياً».
وشدّد علوش على أن تياره «لا يقبل الاصطفافات»، مشيراً إلى أن زيارة درباس وفتفت إلى جبل محسن لتقديم العزاء «ولا ننتظر شكراً من أحد لأن ما نقوم به واجب إنساني. وهي ليست محاولة لكسر الجليد فقط، بل لأننا مقتنعون بأن عامل الاستقرار عندما يعمّ، وبعد أن يخف منطق التشنج المحلي والإقليمي، فإن المواطنين في طرابلس يعودون للالتقاء والتعاون، وهو ما تأكد حصوله في لحظة واحدة، برغم ما جرى من جولات اشتباكات وتفجيرات منذ 2008 وحتى 2014».