اختلفت الآراء حول «الأبوّة السياسية» للاعتصام الاحتجاجي في ساحة التل، فدون سابق إنذار وعبر وسائل التواصل الاجتماعي تمّت الدعوةُ للنزول إلى الشارع رفضاً للحالة التي وصلت اليها مدينةُ طرابلس واحتجاجاً على أوضاعها المعيشية.
رغم مشهديّة المهرجانات، فالحياةُ اليومية في المقلب الآخر من طرابلس أشبه بالجحيم جراء الفقر والبؤس والبطالة وكل الآفات الاجتماعية الأخرى. في الأحياء والأزقة الضيّقة يعيش أناسٌ بما لا يتناسب مع الكرامة الإنسانية.
إحدى النساء التي تقطن سوق العطّارين الأثري، لا يتعدى دخلُ زوجها الـ30 ألف ليرة يعيل بها 4 أولاد. هي تسرد معاناتها بأسى ولوعة قائلة لـ«الجمهورية» «ننتمي للعائلات المستورة التي تداري فقرَها لتعيش لكننا نريد لقمتنا بالحلال، ومطلبنا هو إعفاؤنا ورحمتنا من الضرائب التي تكسر الظهر وتأمين الخدمات الأساسية لنا».
وعند سؤالها عن دعم أو مساعدة سياسية تمسح دمعةً على خدّها وتقول: «حقيقةً ليس لطرابلس زعيم، فزعماء طرابلس حكاية مضت تخبر عنها كتبُ التاريخ أمّا حاليّاً فطرابلس تفتقد زعيمَها»
قد تكون العبارة التي نطقت بها السيّدة معبّرةً كفاية عن واقع الحال في المدينة المهمّشة والحقيقة الفعلية لما تفتقد إليه المدينة، فطرابلس تبحث عن زعيمها أو بالأحرى هي تفتقد الزعيمَ القوي الحاضر المستعدّ دائماً للمواجهة. الزعيمُ المرجعيّة. ومأساةُ السيّدة نموذجٌ من مدينة تحوي كمّاً من الأزمات لا يوصف فيما يصنَّف زعماؤها على قوائم الأثرياء في العالم، في حين تشكل هي الثقل الشعبي للطائفة السنّية في لبنان والمعبرَ لكلِّ طامحٍ نحو الكرسيِّ الثالث في الجمهورية اللبنانية.
طرابلس تستحق مرجعيّةً بحجمها
رغم كل الضجيج السياسي تستحق طرابلس أكثرَ من واقعها البائس والسبب وفق عدد من مثقّفيها افتقادُها لزعيمٍ سياسيّ ينتشلها من هذا الواقع المرير، فقد برهنت التجربة أنه مهما برع بعض السياسيين في مراكمة ثروات طائلة أو تحصيل مناصب رسمية فهذا لا يبني زعامةً حقيقية يدخل صاحبُها الى عمق الوجدان الشعبي، كما فعل رشيد كرامي الذي يفتقده فقراء طرابلس قبل غيرهم.
المواطنُ الطرابلسي ليس له سند وحقوقه مهدورة بالتعاطي مع أجهزة الدولة، و يضرب أحدُهم المثل بأنه استنجد بنائبٍ من صيدا للتوسّط في إدخال ابنته الى أحد فروع الجامعة اللبنانية. هذا ما كان ليتمّ أيامَ وجود رشيد كرامي الذي كان يحرص على كل تفصيل، بينما اليوم لا يجد الطرابلسي مَن ينجده داخل الدولة التي تأخذ منه الضرائب دون أن تُنصفً المدينة.
ليس هذا فحسب، بل يتردّد أنّ طرابلس مدينةٌ مستباحة بكل ما للكلمة من معنى، فما حصل من تعيينات في شركة كهرباء قاديشا من إجحاف بحقّ ابناء المدينة لصالح استئثار تيّار سياسي، سبّب نقمةً شعبية كونه حرم الطرابلسيين من فرص عمل في مدينتهم.
الأمر نفسه يتكرّر مع قوى سياسية أخرى في تعيناتِ مجلس إدارة معرض طرابلس الدولي وشركة مصفاة النفط وغيرها، هذا عدا عن حجب الوظائف في أجهزة الدولة عن أبناء طرابلس رغم كفاءات وطاقات أبنائها الهائلة.
وفي ظلّ حال التناتش السياسي تنادي المدينة زعيماً طرابلسيّاً ينجدها ويضرب بيده مطالباً بحقوقها على غرار نبيه بري أو وليد جنبلاط أو سليمان فرنجية أو بهية الحريري أو حتى جبران باسيل النموذج السياسي الجديد الذي يبني زعامته السياسية بذكاء من نافذة اجهزة الدولة وخدمات السلطة.
لا يتردّد أحدُ المثقفين في أحد مقاهي المدينة المتهالِكة من إبداء الغيرة من زغرتا «الجارة» القريبة، والسبب وفق قوله «غرام سليمان فرنجية بمنطقته وملاحقة كل شؤونها ومشاريعها، في المقابل لا يشعر أبناء المدينة بالحرص والاهتمام والمتابعة من قبل نواب طرابلس الذين لا يبيت معظمُهم في المدينة ليلة واحدة ويتسابقون لزيارتها في «المواسم الانتخابية».
الحالة «الريفيّة»
في السياق نفسه يقول البعض من روّاد المقهى بأنّ تجربة اللواء أشرف ريفي السياسية ملفتة لكنها سبّبت خيبة أمل كبيرة على المستوى الشعبي، فقد أعطته المدينة فرصةً لزعامة مفترَضة من خلال الانتصار بالانتخابات البلدية، لكنها استُهلكت سريعاً بفعل فشل البلدية وعجزه عن تحقيق أيّ إنجاز في هذا الصدد كما عجزه عن التعامل مع فشل البلدية التي شهد أداؤها تدهوراً مريباً لا سيّما بالنسبة للأوضاع الخدماتية.
…و«الكرامية»
ويقاطع أحدهم الحديث ليشيد بالراحل رشيد كرامي فيقول «قد أبلى النائب المنتخب فيصل كرامي حسناً بمشاركته في مهرجان طرابلس المقام على المعرض الشهير الذي يحمل اسم جدّه الراحل رشيد كراميإالّا أنّ زعامة «الرشيد» التاريخية لا يمكن مقاربتُها بزعامة الحفيد المثقلة بالإنقسامات العائلية والتجاذبات السياسية.
أهي «حريريّة» الهوى؟
ويحلو لرواد المقهى الاسترسال في وصف هوى المدينة السياسي ويعترفون أنها لطالما كانت حريريّة الهوى، إنّما التزامهم ومحبتهم للشهيد رفيق الحريري ووفاؤهم حتى لسعد الحريري لم يستوعبه تيّار المستقبل أو ممثلوه في المدينة، فانغمس التيّار الأزرق في لملمة وضعه شمالاً بشكل عام لا سيّما بعد الأحداث الأخيرة على حساب متابعة ومعالجة هموم أبناء المدينة والعمل لتحقيق بعض ما يستحقون.
أسماءُ كثيرة مفترضة لزعماء لعاصمة الشمال ردّدها الطرابلسيون في خلوتهم السياسية الخاصة إلّا أنهم… لم يرسوا على زعيم.