صفعة موجعة وجهها أبناء طرابلس للائحة التوافقية التي ضمت كل مكوّنات المدينة باستثناء وزير العدل أشرف ريفي. المدينة اختارت «أشرف» لأسباب عدة: قدّم خطاباً سياسياً متطرفاً؛ جمع حوله المتضررين من التحالف؛ وأحسن اختيار أعضاء لائحته. الخاسرون يقرأون النتائج، إلا أنهم يؤكدون: لا نهاية للتحالف
«العزم» في طرابلس أتى من قبل أبناء المدينة الذين أصروا على تلقين كلّ مكونات طبقتهم السياسية درساً قاسياً: القرار لشعب طرابلس ومناطقها الشعبية، لا لفئة صغيرة من «بورجوازيي» المدينة.
نصف إنتقام نفّذه الأحد أهالي طرابلس، وهو بقي ناقصاً لأنّ مروحة خياراتهم كانت ضيقة، فاختاروا بين السيئ والأسوأ. انتقوا من عرف تماماً كيف يعزف على أوتارهم، مفضلين إياه على من «تكبّر» عليهم.
أعراف عدة انتهكتها هذه الإنتخابات البلدية في غالبية الأقضية. مزاج شعبي بدأ يتبدل ولا يهاب التعبير عن خياراته التي تختلف عن السائد. إلا أنّ الطاولة لم تُقلب إلاّ في طرابلس. ومن شارع نقابة الأطباء، حيث منزل ريفي، انطلقت شرارة الانقلاب الذي فاجأ الجميع.
التحالف بين الرئيسين نجيب ميقاتي وسعد الحريري، الذي ضمّ الوزيرين فيصل كرامي ومحمد الصفدي، بالتعاون مع النائب روبير فاضل والجماعة الإسلامية و«الأحباش»، جرى التعامل معه وكأنه «مُنزل» من السعودية التي تريد توحيد «البيت السنّي». سبب كافٍ ليعتقد «أولياء الأمور» أنّ النصر آتٍ لا محال. تضاف إلى ذلك «الشائعات» التي انتشرت حول العلاقة غير السوية بين ريفي وحكام المملكة. من هنا، بدأت مكونات لائحة «لِطرابلس» التعامل مع المجتمع الطرابلسي باستعلاء: تعريض أسماء المرشحين للبازار السياسي. تقديم الوعود لعدد كبير من الأشخاص بأنهم سيكونون أعضاء على اللائحة قبل نقضها. إقصاء منطقة التبانة و«تمنينها» باختيار حاملي الشهادات من أبنائها. خافوا من إغضاب «الشارع السني» فنفضوا أيديهم من علويي جبل محسن الذين يُمثلهم سياسياً الحزب العربي الديمقراطي. بثوا شعوراً بأنّ الإتفاق «مُنزل»، فلم يجدوا ضرورة للوقوف على خاطر أبناء البلد لشرح ما حصل.
ليس بإمكان أحد أن يُنكر أن أشرف ريفي هو الزعيم الشعبي الأول في طرابلس. خطاب اللواء المتقاعد غير المعتدل لم يجد من يواجهه. نزل الرجل إلى الشارع، حاملاً شعار مواجهة حزب الله والنظام السوري ورفض التسويات، فيما خصومه صامتون في مكاتبهم، يكتفون بالخدمات التقليدية لأهل المدينة. استغل ريفي الامر فألّف لائحة من «المتضررين»، المقبولين شعبياًَ، الذين لا يشبه كثيرون منهم خطابه المتطرّف. لكن هذا الخطاب لم يكن العامل الوحيد لنجاح لائحته. تبيّن أن «فاولات» خصومه كانت أكثر من أن يحتملها الشارع.
تبدو معظم مكونات «لِطرابلس» قاسية بحق نفسها وهي تُحلل أسباب فشلها في البلدية. «واجهنا تيار المستقبل بشخص أشرف ريفي وثبت أنّ الشارع الطرابلسي يجنح نحو التطرّف. هذا مؤشر خطير ويجب مراقبته». ولكن عملياً، غير صحيح أن الطرف المقابل لريفي يتبنى خطاباً معتدلاً. لو صحّ ذلك لكان على الأقل مدّ يده ليلاقي أبناء جبل محسن ولما كان صمت طيلة أشهر تاركاً المنابر لريفي وحده.
تتحدّث المصادر عن أخطاء تقنية عدة، «كالماكينات التي لم تعمل كما يجب: لا تجيير ولا دفع ولا تنسيق». بالنسبة إليها، هي كانت معركة «ريفي ضدّ الحريري. اللواء حوّلها إلى انتخابات سياسية». لم يعد يهم كثيراً الحديث عن طابع المعركة وهويتها. فالنتيجة واحدة: ريفي هو الرابح، وهذا قد يكون مؤشراً إلى الإنتخابات النيابية المُقبلة. تنفي المصادر ذلك: «هذا ليس شرطاً. نحن أردناها معركة إنمائية، ولكن في النيابة لدينا أسلحة كثيرة نُشهرها في وجه ريفي. نحن قادرون بالوقائع على محاربته سياسيا وتحميله مسؤولية تردي الوضع الأمني في المدينة».
يعترف المسؤول السياسي للجماعة الإسلامية في طرابلس إيهاب نافع بأنّ الناس «انتقموا منّا جميعاً. النتيجة كانت مفاجئة وغير متوقعة». يعزو السبب بالدرجة الأولى إلى «المزاج الشعبي الذي ترتفع لديه شعور المظلومية لدى أهل السنّة». ولكنّه في الوقت عينه يستغرب «كيف يُقال من مرجعيات مسيحية إن المرشحين المسيحيين شُطبوا فيما هم تقدموا بالأرقام على مرشحينا. كلّ اللائحة شُطبت».
قراءة القيادي في تيار «العزم» مصطفى آغا تختلف. النتيجة هي «هزيمة للتنوع في طرابلس وللخطاب المعتدل. اختيار خطاب المحاور، الإلغائي والمذهبي، ليس انتصاراً»، مُدافعاً عن خطاب الخاسرين بأنه «وطني وإنمائي». وهذه ستكون «نهاية ردّات الفعل، لأنه في وقت كان هناك مُعتدل أتى من يحاول استغلال غريزة الناس ونجح لأن فترة التحالف كانت صغيرة ولم يكن هناك مجال للتنسيق الكافي». يقول آغا لـ«الأخبار» إنّ «جمهور تيار المستقبل ليس هو جمهور ريفي الحقيقي. هو يتكلم فيثير الغرائز». بالنسبة إلى تيار «العزم» يجب «الإستفادة من هذه التجربة، برغم أنّ حسابات الإنتخابات النيابية تختلف». ويشرح بأنّ ريفي نجح في البلدية «بعدما جمع عدداً من المتضررين الذين لا ينتمون إلى خطّه». ربما ينبغي ألا يستخف «العزم» وباقي المسؤولين الطرابلسيين كثيراً بقدرات ريفي.
تُصر كل مكونات لائحة «لِطرابلس»، التي فضل قسم منها التريث قبل التصريح، على «عدم فرط عقد هذا التحالف». لن يخطو ميقاتي خطوة إلى الخلف في علاقته مع الحريري «وسيتمسك أكثر بالحلف مع كرامي». في الإطار نفسه يقول «الأفندي» لـ«الأخبار»: «كسبت صداقة نجيب والتقارب مع سعد والتعاون مع الصفدي. مش ناوي اطلع من تحالفاتي ومن الإعتدال والإنفتاح».