Site icon IMLebanon

طرابلس: خلط أوراق بلدية يُربك الجميع

 

لا يزال التوافق الذي جرى الحديث عنه في الانتخابات البلدية بطرابلس مجرد كلام، بعدما أظهرت الأيام الماضية أن أي ترجمة لهذا التوافق على الأرض لا تزال متعسّرة، لأن جميع الأطراف السياسية المعنية بالتوافق لا تزال تفضل حتى الآن عدم مغادرة المنطقة الرمادية، في انتظار معرفة مصير هذا الاستحقاق وإذا كان سيجري في موعده أو أنه سيؤجل إلى موعد لم يحدد بعد.

فمنذ تحديد وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق مواعيد إجراء الانتخابات البلدية على أربع جولات، آخرها في محافظتي الشمال وعكار في 29 أيار المقبل، سارعت القوى السياسية المعنية في عاصمة الشمال، وتحديداً الرئيسين سعد الحريري ونجيب ميقاتي والنائب محمد الصفدي والوزير السابق فيصل كرامي، إلى إعلان ترحيبها بحصول توافق في انتخابات بلدية طرابلس، لكن من غير أن تتطرق إلى التفاصيل.

لكن الشياطين التي تكمن في التفاصيل، سرعان ما طفت على السطح، بعدما تبين أن هذه القوى لديها وجهات نظر مختلفة حول اسم رئيس البلدية ومؤهلاته وخبراته، وقبل ذلك توجهه السياسي، فضلاً عن حصص كل منها داخل المجلس البلدي المكون من أربعة وعشرين عضواً، وعن برنامج عمل المجلس البلدي الجديد، مع مفارقة لافتة، أن الجميع تقاطعت مواقفهم باعترافهم بأن تجربة المجلس البلدي السابق قد فشلت.

وكشفت مواقف القوى السياسية المعنية عن توافقها على اختيار مرشح توافقي لرئاسة البلدية، على أن تترك له حرية اختيار أعضاء لائحته التوافقية، من بين جملة مرشحين يرى نفسه منسجماً معهم، من غير أن يمنع ذلك أن يكونوا محسوبين على هذا الطرف السياسي أو ذاك.

على هذا الأساس، طرحت أسماء لمنصب الرئيس مثل رئيس البلدية الأسبق (1991 ــــ 1998) العميد سامي منقارة ونقيب المحامين الأسبق في طرابلس بسام الداية، إلا أن كلاً منهما اعتذر عن عدم قبول المهمة لأسباب شخصية.

ومع مرور الأيام، تبين أن العُقَد أمام هذا التوافق المعلن كثيرة، فالتحالف الطرابلسي الثلاثي، ميقاتي، الصفدي وكرامي، الذي أعلن عن نفسه أكثر من مرة، وأن تنسيقاً يجري بين أعضائه بخصوص الانتخابات البلدية، لم يستطع التوصل إلى اختيار مرشح للسير به وتقديمه إلى الرأي العام في المدينة.

وتفاقم الوضع تعقيداً، وفق مصادر سياسية متابعة، لكون «هذا التحالف الثلاثي اصطدم بتحفظ الحريري من التواصل مع ميقاتي والتعاون معه في الانتخابات البلدية، برغم مسعى الصفدي وكرامي لدى الحريري لكسر الجليد بينه وبين ميقاتي، غير أنهما لم يفلحا في ذلك».

وزاد الطين بلة عندما طرح مقربون من الحريري اسم أحمد الصفدي، ابن شقيق النائب الصفدي، اسماً توافقياً لرئاسة البلدية. لكن ميقاتي تحفظ منه برغم مساعٍ قام بها النائب أحمد كرامي لهذه الغاية، ما أدى إلى تضعضع التحالف الثلاثي، خصوصاً بعدما سبقه تقارب بين الحريري والصفدي إثر برودة شابت العلاقة بين الرجلين منذ عام 2011.

لكن أحمد الصفدي أوضح لـ «الأخبار» أنه «لم أكن مرشحاً لهذا المنصب»، مشيراً إلى أن «من طرحني لرئاسة البلدية، وأشكره على ذلك، كان يرى بي شخصاً مناسباً، لكنني لا أريد هذه الشغلة».

وأكد الصفدي أن «مسعانا هو التوافق لاختيار اسم الرئيس، والمدينة مليئة بكفاءات بهدف اختيار شخصية يترك لها خيار تشكيل فريق عملها البلدي، وأن تعمل البلدية لكل المدينة وأن يكون السياسيون في خدمتها وليس العكس، وأن يضع السياسيون خلافاتهم جانباً من أجل إنماء المدينة وتلبية احتياجات الناس». ولفت الصفدي إلى أنه «نحاول تقريب وجهات النظر بين الجميع، وتجنيب طرابلس معركة انتخابية لن تكون لمصلحتها، لأنه إذا حصلت معركة وسط انقسام سياسي فإن كثيرين سينفرون ويفضلون عدم الترشح».

هذا الرأي تقاطع مع موقف للوزير السابق فيصل كرامي الذي أبدى لـ «الأخبار» تمنيه على «المرشحين الجدّيين الذين يملكون كفاءات الترشح وكشف برامجهم، لأن المدينة بحاجة إليهم، ولأن اعتكافهم سيؤدي إلى اختيار مجلس بلدي أقل من طموحات الجميع». وأوضح كرامي أنه يؤيد «حصول توافق بشأن الانتخابات البلدية في طرابلس يضم الجميع بلا استثناء»، لكنه فضّل عدم الدخول في الاسماء المقترحة لرئاسة البلدية، إلا أنه توافق مع آراء جميع الأطراف الأخرى في المدينة على أن «تجربة التوافق البلدي عام 2010 كانت فاشلة، ولا يفترض أن تتكرر».

أما ميقاتي، فأكدت أوساط مقربة منه أنه «يؤيد التوافق من أجل مصلحة طرابلس أولاً، لكن على قاعدة التعامل بندّية بين الجميع وليس التعاطي الفوقي»، في إشارة ضمنية إلى الحريري، ولعل ذلك يفسر الدعم غير المعلن من ميقاتي للنائب السابق مصباح الأحدب بالترشح للانتخابات البلدية، وإعلان الأخير ماكينته الانتخابية قبل أيام، في مسعى يريد منه ميقاتي تحسين شروط تفاوضه مع حلفائه وخصومه على حد سواء.

وإذ ينشط وسطاء على خط تقريب وجهات النظر، وخصوصاً النائب أحمد كرامي ورجل الأعمال طارق فخر الدين، يشير المشهد العام إلى أن التوافق لا يتجاوز كونه شعاراً فضفاضاً، في انتظار أن يترجم على أرض الواقع.

وفي هذا الإطار تؤكد مصادر سياسية أن الحريري «يريد من خلال مدّ يده للصفدي وكرامي شق صف الثلاثي الطرابلسي وعزل ركنه الثالث ميقاتي، والأخير يريد لعب دور الحصان الأسود الذي لا يمكن أن يحصل توافق بلدي في طرابلس من دونه، وإلا فإنه لن يتردد في حشر الجميع وإزعاجهم بإدخالهم في معركة انتخابية، ولو بالواسطة، بدعمه الأحدب وإسلاميين وعائلات. أما الصفدي وكرامي، فيسعيان الى ترتيب توافق يجنب المدينة انقساماً عمودياً هي بغنى عنه في هذه المرحلة، وكل ذلك وسط رغبة غير معلنة من الجميع بتمني تأجيل إجراء الانتخابات البلدية في انتظار ظروف ومناخات أفضل».