شكلت نتائج انتخابات بلدية طرابلس «صدمة»، ايجابية للفائزين وسلبية للخاسرين، من دون ان تعني بالتحديد تخلّي اهالي المدينة، التي طالما وصفت بأنها «خزان» تيار «المستقبل«، عن الثوابت الاساسية لما اصطلح على تسميته بـ«الحريرية السياسية». بل هي تعني احتجاجاً متفاقماً على أداء نواب ووزراء المدينة السياسي والتنموي، بغض النظر عن انتماءاتهم السياسية، وتدّل على عدم استيعاب مواقف سعد الحريري «الوطنية«، مقابل مواقف «شعبوية« تلبّي المشاعر الغريزية.
فقد فازت في هذه الانتخابات اللائحة المدعومة من وزير العدل المستقيل اللواء اشرف ريفي بثلثي المقاعد، بما شكل مفاجأة لم تكن مطلقاً في حسبان داعمي اللائحة التوافقية من تيار المستقبل الى الرئيس نجيب ميقاتي والوزيرين السابقين محمد الصفدي وفيصل كرامي مروراً بـ»الجماعة الاسلامية« و«الاحباش«.
لكن «المزاج الشعبي الطرابلسي ما زال سيادياً وحريرياً بامتياز» يقول ناشط اجتماعي قريب من تيار «المستقبل« فضل عدم الكشف عن هويته، لافتاً الى ان نتائج صناديق الاقتراع تدل على ان الذين انحازوا لصالح لائحة قرار طرابلس هم في غالبيتهم من المناطق التي يتمتع فيها التيار الازرق بحضور وازن«.
ويضيف: «فالجمهور المحلي لم يستطع استيعاب مواقف الرئيس سعد الحريري التي رأى فيها تنازلات خصوصا بسبب تقاعس ممثليه المحليين عن تقريبها للناس واقناعهم بمحاسنها على صعيد الحفاظ على ما تبقى من الدولة ومؤسساتها«.
فخيارات الحريري «الوطنية» فرضت تسويات من مثل الحوار مع «حزب الله» لتنفيس الاحتقان السني-الشيعي، ومن مثل دعم ترشيح النائب سليمان فرنجية للرئاسة للخلاص من الفراغ في السدة الاولى، وهما الخطوتان اللتان لم تلقيا صدى ايجابياً. فبنظر المصدر يتخذ الحريري خيارات وطنية رغم معرفته بانعكاساتها السلبية على مستوى قواعده، معدداً على سبيل المثال لا الحصر ما لم تبتلعه الشريحة الواسعة من الطرابلسيين خصوصاً تلك المتمركزة في المناطق الاكثر فقراً وتهميشاً«.
فالجلوس مع «حزب الله« الذي يفاخر بقتال الشعب السوري مرفوض. كذلك مرفوض دعم النائب سليمان فرنجية الذي شكل معقله في زغرتا خزان الاسلحة لبعل محسن كما المستشفى خلال جولات العنف بينها وبين باب التبانة. ولم يتسنّ للمواطن العادي ابتلاع المصالحة المتأخرة مع ميقاتي وإن تحت شعار لمّ شمل البيت السنّي.
تضاف الى ذلك تجربة البلدية السابقة، التي قامت على تحالف مشابه للتحالف الحالي، والتي خلّفت أسوأ اثر تنموي بسبب الخلاف بين اعضاء مجلسها الذي ارتكز على المحاصصة، ولم يفلح لا رئيسها الاول نادر غزال ولا الثاني عامر الرافعي في لمّ الشمل على مشروع انمائي واحد.
صحيح ان تيار «المستقبل« سجّل خسارة كبيرة في طرابلس، لكن عملياً الخاسر الاكبر هو الرئيس نجيب ميقاتي، الذي بات يعتبر اخيراً الرقم الاول في طرابلس. حتى ان تيار «المستقبل« ترك له، بعد مفاوضات شاقة وحفاظاً على التحالف، امر التصرف برئاسة اللائحة وعضويتها. فكان ان انضم اليها «الاحباش« الذين يرى فيهم الطرابلسيون صنواً لبشار الاسد، فيما غيّب تمثيل باب التبانة مثلاً مقابل تمثيل للحزب العربي الديموقراطي المتهم افراد منه بالتورّط بتفجير مسجدين في طرابلس.
كل هذه الوقائع اتت على صحن من فضة لريفي، الآتي من رحم الحريرية السياسية، ليتبناها. ففوز اللائحة التي دعمها لا يعني حكماً شعبية ذاتية، وانما صدى لخطابه الذي دغدغ المشاعر خصوصاً في ما يتعلق باللهجة العالية تجاه «حزب الله«، ورفضه وصول فرنجية للرئاسة، اضافة الى تبنيه قضية الموقوفين الاسلاميين، وتركيزه على المناطق الشعبية المهمشة، وعلى المجتمع المدني وغالبيته من رحم انتفاضة الاستقلال. كل ذلك مقابل تعالي الآخرين عن مصالح هذه الشرائح واهتماماتها..
ويقلل المصدر اهمية انعكاس النتائج البلدية على «النيابية«. فخيارات الناس السياسية لم تتغير، وما زال حنينها متقداً الى تفاعلية 14 آذار 2005 . ويتساءل «هل المهلة المتبقية، ومدتها نحو عام، ستكون كافية لتقويم النتائج واستخلاص العبر؟».