بعد مرور قرابة سنة وثلاثة أشهر على صدور نتائج «تقرير دراسة الفقر الحضري» و»خطة التنمية المدينية الشاملة لمدينة طرابلس»، اللتين أعدتهما وزارة الشؤون الإجتماعية بالتعاون مع اللجنة الإقتصادية والإجتماعية لغرب آسيا – الاسكوا وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي (http://www.al-akhbar.com/node/223549) أعاد القيّمون على الدراسة التذكير بها بعدما لم تجد طرفاً يتبناها، بالرغم من تراجع الوضع الإنمائي والخدماتي في المدينة على نحو مؤسف.
قبل أيام نظم «لقاء الصوت المدني» لقاء مع الخبير في شؤون التنمية أديب نعمة، الذي أشرف على الدراسة السابقة، تحت عنوان «نظرة شاملة للتنمية بمدينة طرابلس». أعاد نعمة التذكير بما يشبه الإدانة بأن «جميع الفعاليات السياسية في طرابلس وافقت مبدئيا على الدراسة، لكن المتابعة اللاحقة لوضعها موضع التنفيذ ذهبت في اتجاهات مخالفة لجوهر الخطة بما هي خطة شاملة، الأمر الذي أدى إلى توقف عملية تبنيها حتى اللحظة».
إعادة التذكير بالدراسة التي كشفت أن «15 % فقط من عائلات طرابلس لا تعاني الحرمان»، تسعى الى «تأليف كتلة ضاغطة على أصحاب القرار للسير بها، وعدم الإكتفاء بإعلانهم دعماً لفظياً فقط»، على حدّ تعبير منسق اللقاء سامر دبليز. يوضح دبليز أن «موضوع التنمية في طرابلس أصبح في الفترة الأخيرة مستهلكاً على نحو سطحي، لأنه لا أحد يقارب موضوع التنمية على نحو علمي وشامل ودقيق من اجل انتشال المدينة من واقعها البائس»، وإذ يعلن دبليز أن «هدفنا إعادة إحياء الخطة وتبنّي المعنيين لها»، فإنه يرى أن «التناحر السياسي في طرابلس جزء من تعطيل التنمية فيها، وأن طرفاً ما يعارض مشروعاً تنموياً قدّمه آخر لمجرد النكاية»، لافتاً إلى أن «الأموال الطائلة التي دفعها السياسيون في المدينة بقيت بلا مردود ولم تنعشها، لأنها أموال إرتهان سياسي موسمية تطلق في فترة الإنتخابات، وليست أموالا مخصصة لمشاريع تنموية».
التوظيف السياسي للمطالب التنموية يؤدي الى نتائج عكسية
يشير دبليز إلى «دراسة نشرتها أخيراً الأمم المتحدة عن الدول العاجزة عن التنمية، حددت فيها تسع نقاط لهذا العجز، مثل غياب سيادة القانون، غياب مبدء المشاركة، غياب معيار الكفاءة والفعالية والإستجابة لحاجات الناس ومتطلباتهم، وهي للأسف نقاط تنطبق علينا في لبنان بأكملها».
من جهته، أكد نعمة أن «التوظيف السياسي الضيق للمطالب التنموية ضار جداً ويؤدي إلى نتائج سلبية وتضييع للفرص»، عارضاً عددا من المبادرات التي تتعلق بمشاريع لطرابلس وبمكافحة الفقر في لبنان عموماً. وشدد على أنه بما يخص المنطقة الإقتصادية الخاصة «علينا الإستفادة من تجارب من سبقنا، ويجب ربط المنطقة الإقتصادية الخاصة في طرابلس عضويا بالإقتصاد اللبناني، وإذا لم يُضمَن توظيف اللبنانيين وأبناء طرابلس والشمال في المشاريع المنتظرة، فلن يكون لها الأثر الإيجابي الذي نطمح إليه».
امّا عن مشروع مرأب سيارات ساحة التل، فاكّد نعمة «ضرورة اجراء مقاربة علمية بحتة لهذا الأمر، لأن هذا المشروع تفصيل، ومشروع إفرادي من ضمن 500 مشروع مثله أو يفوقه أهمية، يمكن أن تتضمنه أي خطة تنمية شاملة لطرابلس. إلا أن ما حصل اجتزاء غير مدروس ومحاولة فرض مشروع ما بالضغط وهو ليس أولوية، والأصح أن ينتظر المعنيون إنتهاء الدراسة عن خطة النقل التي هي قيد الإعداد، وحينها يقررون ما هو مناسب». ورأى نعمة أن ما حصل في قضية المرأب «محاولة تجميل الأمر ووضعه في سياق خطة لتطوير منطقة التل. هذا لا يكون على نحو مرتجل إذ لا بد من تحديد رؤية للمدينة، وهي موجودة في المخطط التوجيهي اللبناني والمخطط التوجيهي لمدينة طرابلس واستراتيجية الفيحاء 2020، والمطلوب الإنطلاق منها. وفي ضوء هذه الدراسات يُحدَّد موقع منطقة التل في هذه الرؤية، على ان تحصل عملية تشاور حقيقية مع أبناء المدينة وفعالياتها، لا أن تُجرَ مشاورات شكلية إستلحاقا».
وتوقف نعمة عند إقتراح مأسسة برنامج إستهداف الأسر الفقيرة واقتراح القانون الذي يجري تداوله أخيراً، فأكد أن «من الأجدى إنتظار تقييم البرنامج الحالي، وتحديد مدى نجاحه في خفض نسبة الفقر قبل السعي إلى مأسسته»، مشيراً إلى أن «المشروع يقوم على توزيع المساعدات وهي لا تعالج أسباب الفقر والحرمان، ولا تولّد دينامية معاكسة لآلية التهميش، بل إنها تزيد من التبعية وتعيد إنتاج المشكلة».