IMLebanon

طرابلس تستفتي خياراتها في الأحجام والسياسة

لا مبالغة في القول إنّ المعركة التي ستشهدها طرابلس الأحد المقبل ستكون من أكثر المعارك تأثيراً على رسم معادلات القوة في المدينة والشمال وعلى المستوى الوطني العام.

من المتوقع أن ترتفع نسبة التصويت بشكل كبير، نظراً للبعد السياسي للمعركة وتنوّع الاصطفافات، وحجم الانفاق المالي غير المسبوق

فالمدينة التي شهدت في الانتخابات البلدية السابقة توافقاً انتج مجلساً بلدياً فشل في أداء مهمته، تستعدّ لخوض التجربة من جديد إنما هذه المرة بلوائح متنافسة، منها «لائحة التوافق» التي جمعت «تيار المستقبل» والرئيس نجيب ميقاتي والوزيرين محمد الصفدي وفيصل كرامي والجماعة الاسلامية والاحباش، تواجهها «لائحة قرار طرابلس» المدعومة من اللواء أشرف ريفي، ولائحة غير مكتملة شكّلها النائب السابق مصباح الأحدب.

يبدو المشهد الطرابلسي محكوماً بمواجهة بين هذه اللوائح، وخصوصاً بين لائحة ريفي ولائحة ائتلاف القوى السياسية، وهذا المشهد ينبئ بمعركة كبيرة ستحدّد الصناديق نتائجها.

لم تكن ولادة «لائحة التوافق» سهلة، فقد تطلّب هذا التوافق سلسلة طويلة من المشاورات، أدّت في النهاية الى اتفاق على توزيع الأحجام داخل اللائحة، بشكل يعكس ميزان القوى، فنال الرئيس نجيب ميقاتي رئاسة اللائحة واكثر من سبعة اعضاء فيها، فيما نال «تيار المستقبل» سبعة اعضاء، وكرامي اربعة اعضاء، وتوزّعت الحصص على باقي القوى، وهذا ما سيخضع اللائحة لامتحان التماسك، خصوصاً أنّ ما يجمع بين مكوّناتها هو اتفاق على تجنّب المعركة.

هذا التماسك سيتمّ اختباره في الصناديق في ظلّ معطيات ترجّح عدم الالتزام الكامل باللائحة من قبل المشاركين بالائتلاف، ويعوّل هؤلاء على عمل الماكينات لتحقيق أكبر نسبة مشاركة من الاصوات المضمونة، هذه المشاركة التي يترقب الجميع إذا ما كانت ستتخطّى السقف المتدني الذي سجلته في انتخابات العام 2010.

في المقابل تتحرّك «لائحة قرار طرابلس» التي وُلدت بعد «لائحة التوافق»، وفق معيارَي الإنماء واستعادة قرار المدينة، ويعطي دعم ريفي للائحة بعداً سياسياً واضحاً تمثل في رفع سقف المعركة، ووضعها في الإطار السياسي، حيث وصف ريفي بعض رموز اللائحة المقابلة بأنهم حلفاء للنظام السوري و«حزب الله»، والمعني هنا خصوصاً الرئيس ميقاتي والوزير فيصل كرامي اللذين شاركا في حكومة كان فيها لـ»حزب الله» الأكثرية بعد اسقاط حكومة الرئيس سعد الحريري.

الواضح أنّ ما ستشهده طرابلس سيكون أكثر من انتخابات بلدية، إذ غنه سيتخطّى هذا الإطار الى حرب تحديد الاحجام والخيارات. فانضمام «المستقبل» الى التحالف مع ميقاتي، أظهر بوضوح أنّ هناك قراراً بمحاصرة ريفي في عقر داره، وقد دلت الاسابيع الماضية على أنّ كلّ الجهود التي حصلت لإعادة ترميم العلاقة بين الرئيس سعد الحريري واللواء ريفي قد دفنت في مهدها، وكان ذلك لو حصل ليؤدي الى خوض ريفي و«المستقبل» المعركة جنباً الى جنب، لكنّ خيار «المستقبل» ذهب الى التوافق مع ميقاتي، وهذا ما حدا بريفي الى دعم «لائحة قرار طرابلس»، التي كان يمكن أن تكون اللائحة المشتركة بين الطرفين.

لن تكون نتائج معركة طرابلس عابرة، وفي كلّ الاحتمالات ستحدّد صورة المعركة الاحجام الجديدة. ففي حال حقّقت «لائحة التوافق» فوزاً واضحاً وكبيراً، سيعني ذلك أنّ الرئيس ميقاتي استطاع تأكيد موقعه في المدينة باعتباره عراب اللائحة التوافقية. واذا استطاع ريفي أن يحقق الفوز، فسيكون قد كرّس نفسه الرقم الصعب في المدينة والذي لا يمكن تخطيه.

تعمل الماكينات في طرابلس قبل ايام من الانتخابات بكلّ طاقاتها، ومن المتوقع أن ترتفع نسبة التصويت بشكل كبير، حيث تقول التقديرات إنّ عدد المقترعين سيكون الاكبر في هذه الانتخابات، وذلك نظراً للبعد السياسي للمعركة، ولتنوّع الاصطفافات، ولحجم الإمكانات المالية غير المسبوقة التي ستنفق.