IMLebanon

من يقف خلف استغلال ثورة طرابلس وفقرائها؟

 

بين قائل باستباحة معرض رشيد كرامي وبين من وجده مأوى موقّت

 

من يقف خلف استغلال ثورة طرابلس وفقرائها؟

 

في بداية الثورة السورية هناك من وصف مدينة حمص بأنها “عروس الثورة”. تردّد هذا الوصف كثيراً على ألسنة الناس وفي الإعلام العربي والغربي، حتى تضاعف الغلّ في نفوس الحاقدين على المدينة وناسها، واستمروا في حربهم ضدها إلى أن دُمرت بالكامل. “عروس الثورة”، هو اللقب نفسه الذي أُطلق في ثورة لبنان على طرابلس، فهل تلقى عاصمة الشمال المصير نفسه؟ أسئلة كثيرة تُطرح حول مستقبل “الفيحاء” مع انتشار الفوضى فيها بشكل مريب.

من يقف وراء خطف الثورة الطرابلسية من بين أيدي أبنائها؟ من يريد العبث بأمن المدينة عبر استغلال حاجات سكّانها الفقراء؟ هل هناك من يريد الإتجار بهمومهم اليومية لتعبيد الطريق أمام طموحٍ ما؟ هل هناك من يرغب في بناء زعامة على حساب هؤلاء البسطاء؟ سيل الأسئلة لم يتوقف منذ يوم أمس الأول، بعدما صُدم الطرابلسيون بعشرات الأشخاص الذين اقتحموا منشآت معرض رشيد كرامي الدولي ناصبين الخيم في وسطه استعداداً للمبيت فيه.

 

سادت حالة من الهرج والمرج في المدينة إثر انتشار خبر وجود عائلات مشردة نصبت خيماً في المعرض. أطلّ بعض الناشطين ببثٍ مباشر عبر صفحاتهم على موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك”، عارضين ما يحدث ومناشدين الناس تقديم ما تستطيع من مساعدات عينية. ما هي إلا ساعات معدودة حتى نُصبت الخيم وبدأ العمل على إمدادها بالكهرباء. أكثر من 40 شخصاً، غالبيتهم من النساء والأطفال استوطنوا المكان وسط ذهول أبناء المدنية، الذين انبرى عدد منهم إلى التنديد بما يحدث، مطالبين “المحافظة على المعرض لاعتباره أحد أهم المرافق الحيوية فيها، ومن غير المقبول استباحته بهذا الشكل تحت أي ذريعة كانت”.

 

ماذا حدث؟

 

لساعات طويلة بقي الأمر ملتبساً. لم يفهم الناس ما يحدث إلى أن بدأت تخرج تصريحات من “المنظمين” الذين أتوا بالناس إلى المعرض. تصريحات تُناقض بعضها البعض. فقد تبيّن أن مجموعة من الأشخاص تُطلق على نفسها اسم “مجموعة عطايا” هي المسؤولة عن استقدام هؤلاء إلى المعرض. وقال أحد أفرادها إن “هؤلاء الأشخاص أجبروا على مغادرة منازلهم بعد طردهم من قبل المالكين لعدم قدرتهم على دفع الإيجار”، فيما قال آخرون إن “هؤلاء هم من سكان البيوت القديمة المهددة بالانهيار، فضلوا مغادرتها على البقاء بانتظار الموت”. وفي اتصال مع “نداء الوطن” قالت الناشطة في المجموعة، لارا رفاعي، إن “اتصالاً ورد إلينا أفادنا بوجود أشخاص بلا مأوى في حيّ التنك في الميناء، فهرعنا إلى المكان للتأكد مما يحدث، وجدنا عشرات الناس من مختلف مناطق الميناء وطرابلس وعكار مجتمعين أمام البحر من دون سقف يأويهم، وبدأوا يشكون لنا أحوالهم السيئة ومنازلهم المهترئة المهددة بالانهيار، فما كان أمامنا خيار سوى مساعدتهم. هل يُعقل أن نتركهم مرميين في الشوارع؟ هل يعقل ألا نمد لهم يد العون، ونحن قد عُرفنا منذ بداية الثورة بأننا نقف إلى جانب فقراء المدينة والمعوزين ونُقدم مساعدات عينية لهم؟”، مضيفة: “أي شخص مكاننا كان ليفعل الشيء نفسه. نحن جئنا بهؤلاء إلى المعرض لأن عددهم كبير ولا يوجد مكان يتسع لهم، وكنا بصدد البحث عن الحلّ الأنسب، لأن خيار تركهم في المعرض لوقت طويل ليس منطقياً أيضاً في ظل ظروف مناخية سيئة”.

 

“فوجئنا برد فعل البعض الذين اتهمونا باستباحة المعرض”، تقول الرفاعي. وتتابع: “هل المعرض أغلى من كرامة الناس المشردة على الطرق؟ نحن تهمنا مساعدة الفقراء خصوصاً مع اشتداد الأوضاع الاقتصادية تأزماً”. ما روته لارا لم يقنع كثيرين. فالرواية تفتح المجال أمام وابل من الأسئلة: كيف يمكن أن يجتمع عشرات الأشخاص من مناطق مختلفة، لا صلة بينهم ولا يعرفون بعضهم البعض، في مكان واحد مشردين؟ لماذا تم الاتصال بهذه المجموعة دون سواها من مجموعات الثورة الناشطين في طرابلس منذ سنوات، كـ “حراس المدينة”، على سبيل المثال؟ هل يعقل أن يخرج الناس من منازلهم إن كانت مهددة بالانهيار من دون إبلاغ البلدية ومطالبتها بتقديم المساعدة؟ ولماذا تمّ الترويج لإشاعة أن بعضهم طردوا من منازلهم من قبل مالكيها، علماً أن مثل هذه القرارات في لبنان لا يمكن أن تتمّ من دون حكم قضائي؟

 

هذه الأسئلة وسواها قد تُجيب عنها رواية أخرى. إذ علمت “نداء الوطن ” من مصدر مطلع أن “ما حدث ليس بريئاً كما يحاول البعض إظهاره ولم يأتِ بشكل عفوي من دون خطة أو أهداف”، واصفاً ما جرى بالـ “مسرحية ضعيفة الإخراج”. وفي التفاصيل أن المدعو “ط. ك.”، أحد الطامحين إلى زعامة سياسية، سبق وترشح إلى الانتخابات النيابية الأخيرة وخسر، يسعى من خلال استغلال حالات الفقر والعوز في المدينة من جهة، واختراق الثورة من قبل البعض وانتشار الفوضى من جهة أخرى، إلى جعل اسمه متداولاً وكسب تأييد شعبي بحجة “إيواء الفقراء”. وبحسب المصدر فإن “ط. ك. قام والمدعو “إ. ب. بزيارة حيّ التنك ووعد الناس بأن إعاشات وأموالاً سوف توزع عليهم في معرض رشيد كرامي خلال اليومين القادمين، لتشجيعهم وإقناعهم على ترك بيوتهم والبقاء فيه لأطول فترة ممكنة”، مشيراً إلى أن “هذا الاستغلال لحاجات الناس وعوزها يجب ألّا يمرّ مرور الكرام، خصوصاً أن الأوضاع تتفلت في المدينة”، موضحاً أن “الخوف على معرض رشيد كرامي كبير، فلو بقي هؤلاء هناك كنا رأينا اليوم أعداداً مضاعفة من الناس تفترش أرض المعرض، لا سيما أن لطرابلس سوابق كثيرة في هذا المجال إذ تحوّلت الكثير من المباني الأثرية والتراثية فيها إلى أماكن إيواء، مثل الخانقاه ومباني السوق الأثري القديم”. وأشار المصدر إلى أن “القوى الأمنية تصرفت بحزم إذ أُبلغ هؤلاء من قبل قيادة المنطقة في قوى الأمن الداخلي أنه لا يمكنهم البقاء في المعرض الذي يخضع إدارياً لسلطة وزارة المال”.

 

بلدية طرابلس: الحمل ثقيل!

 

إنقاذ معرض رشيد كرامي الدولي ما كان ليتم لولا تدخل بلدية طرابلس، إذ قام رئيس البلدية رياض يمق بالاستماع إلى أعضاء المجموعة الذين تكلموا باسم الناس، وبعد أخذ ورد قرر نقل الرجال منهم إلى شقة في ساحة التلّ خلف “مقهى فهيم”، فيما تم نقل النساء والأطفال إلى فندق التلّ (الفندق الوحيد المتبقي في وسط المدينة القديمة)، ريثما يتم إيجاد حلٍ للأزمة. وفي اتصال معه، أكد يمق أن “ما حدث لا يمكن أن تتحمل مسؤوليته البلدية منفردة، إلا أن واقع الحال في البلد فرض علينا ذلك”، موضحاً أن “قضية الأبنية المتهالكة والمطلوب إعادة ترميمها وتدعيمها لا تنحصر بالبلدية بل هي من اختصاص وزارة الثقافة ومديرية الأثار أيضاً”. فيما كشف أحد أعضاء المجلس البلدي أن “ما حدث في المعرض ليس له علاقة لا من قريب ولا من بعيد بقضية الأبنية المتهالكة، لأن عدداً لا بأس به من الأشخاص الذين توجهوا إلى المعرض لديهم بيوت ونعرفهم عزّ المعرفة، لكن بالرغم من ذلك، تحملت البلدية المسؤولية إنقاذاً للمدينة وحفاظاً على المعرض. لكن إلى متى تستمر فصول الفوضى في المدينة؟”.