لا تحظى مدارس عكار وطرابلس والشمال عموماً باهتمام خاص في التلزيمات لترميم المدارس الرسمية على لائحة وزارة التربية أو اليونيسف، بما يتناسب مع أعداد المدارس الرسمية والملتحقين بها من جهة، وأولوية تسوية أوضاعها من جهة ثانية
نشرت وزارة التربية أخيراً إعلاناً لمناقصة عمومية لترميم وتوسعة مدارس رسمية للمرحلتين الثانية والثالثة تشمل 47 مدرسة، بتمويل من مشروع S2R2 بقرض من البنك الدولي بقيمة 100 مليون دولار. وتأتي هذه الأعمال استكمالاً لمرحلة أولى بلغت قيمة عقودها 32.538 مليون دولار، وشملت 48 مدرسة، 24 منها في محافظة جبل لبنان، 14في محافظتي الشمال وعكار، 4 في بيروت، 3 في البقاع، و3 في النبطية. وتشمل المرحلتان الثانية والثالثة 24 مدرسة في جبل لبنان، 6 في النبطية، 7 في أقضية البترون وزغرتا والكورة، و4 في قضاءَي عكار وطرابلس، 3 في بيروت ومدرستين في زحلة والهرمل، إضافة إلى ترميم دائرة الامتحانات في بيروت.شمالاً، لم تشمل المرحلة الأولى من مشاريع الترميم مدارس مدينة طرابلس، بل مدرسة واحدة في فنيدق (عكار)، فيما شملت في جبل لبنان، على سبيل المثال، 21 مدرسة في المرحلة الأولى، و24 في المرحلتين الثانية والثالثة، علماً أن عدد الملتحقين بمدارس جبل لبنان (26 ألف تلميذ في 162 مدرسة رسمية) أقل من ربع الملتحقين بمدارس عكار والشمال (115 ألفاً في 417 مدرسة). وتضم مدينة طرابلس وحدها 102 مدرسة ونحو 30 ألف تلميذ.
في سياق متصل، باشرت منظمة «اليونيسف» المرحلة الأولى من ترميم وتوسعة وتأهيل 26 مدرسة ذات أولوية من أصل 120 في مناطق مختلفة، إضافة إلى بناء مدرسة في مجدليا (زغرتا) من بين 4 مدارس متوسطة وكبيرة الحجم في مزرعة يشوع (جبل لبنان) وكفرزبد (زحلة) وضهور الشوير (المتن)، وذلك من أصل 63 مدرسة في لائحة الأبنية التي تحتاج إليها الوزارة وفق المرسوم 4276/2016. وأعلنت المنظمة أنها استندت إلى المرسوم، وإلى المسح الشامل للمدارس الرسمية «دراستي». وشمل الاتفاق بين «اليونيسف» ووزارة التربية على اختيار المدارس الـ 26 ذات الأولوية، مدرسة واحدة فقط في طرابلس (مدرسة الفضيلة الرسمية للبنات) و3 في عكار.
اللافت أكثر أن المرسوم 4276/2016 لم يقترح أولوية بناء أي مدرسة جديدة في مدينة طرابلس، علماً أن نتائج المسح الشامل لـ«دراستي» عام 2012، والذي حُدّث عام 2014، أظهرت أن أوضاع مدارس طرابلس هي بين الأسوأ، وتفتقر إلى المواصفات الأساسية للبناء المدرسي. وأورد مشروع «الخارطة المدرسية» لعام 2012 أن هناك 10 مدارس في طربلس تملكها الدولة والبلدية و84 مبنى مستأجراً. ويقترب المسح الشامل لـ«دراستي» من هذه الأرقام. فيما يشير «دليل المدارس» الصادر عن المركز التربوي للبحوث والإنماء إلى أن هناك 28 مدرسة تملكها الدولة والبلدية و74 مدرسة مستأجرة. رغم ذلك، لم تُبنَ في المدينة منذ عام 2012 سوى مدرستين اثنتين، إحداهما في الميناء والثانية أُضيفت إلى «مجمع التل» المدرسي، ولم تستملك الدولة أي مبان مدرسية. وتجدر الإشارة إلى أن نسبة المباني المدرسية المملوكة من الدولة على المستوى الوطني تبلغ 45%، فيما لا تتعدى في طرابلس 10%. كما أن من بين المباني المدرسية الـ 97 في طرابلس، بحسب «الخارطة المدرسية»، 50 مبنى ذات تصميم مدرسي و43 مبنى سكنياً تُستخدم كمدارس، والباقي مختلط. بينما يشير «المسح الشامل» إلى أن هناك 27 مبنى فقط صُممت أساساً كمدارس.
وإذا كانت غالبية المدارس الرسمية في لبنان تحتاج إلى تدخل طارئ، تبقى طرابلس الأكثر إلحاحاً، باعتبار أن نسبة التحاق التلامذة بمدارسها هي الأعلى في المدارس الرسمية، وكذلك نسبة المدارس المستأجرة، والمباني السكنية المستخدمة كمدارس، والأبنية المهددة، وغالبيتها تفتقر إلى الخدمات الصحية والسلامة. وبحسب المسح الشامل لـ«دراستي»، فإن 40% من المدارس تعاني من تشققات في الجدران والأسقف، و22% تعاني من ثغرات كبيرة في مختلف الوظائف الإنشائية كالكهرباء والخدمات الصحية ومياه الشرب والمساحة والسلامة والحماية، وصُنفت 32% من المدارس بـ«السيئة» على مستوى الوضع العام الإنشائي، و26% من بين الأسوأ. وإذا كانت مدارس محافظة عكار وحاصبيا والهرمل وقرى جبيل وبشري والضنية وغيرها لا تقلّ سوءاً، إلا أن ما يميز طرابلس وعكار أن نسب التلامذة الملتحقين بالتعليم الرسمي تفوق نسب الملتحقين بالتعليم الخاص، إذ تمثل محافظتا الشمال وعكار أكثر من ثلث الملتحقين بالتعليم الرسمي على مستوى لبنان.
نسبة الالتحاق بالمدارس الرسمية في طرابلس هي الأعلى في لبنان وكذلك نسبة المدارس المستأجرة والمباني السكنية المستخدمة للتعليم والأبنية المهدّدة
ثمة غياب متوارث لخطط الدولة عن مناطق طرابلس وعكار ومناطق أخرى، فلم يلحظ وزير التربية السابق الياس بو صعب في المرسوم 4276/2016 حاجة طرابلس إلى إنشاء مدارس رسمية، في وقت تبلغ نسبة الأبنية المدرسية المستأجرة فيها 90% من المدارس، نصفها ليس مصمّماً للاستخدام المدرسي، وجزء كبير منها لا يؤدي وظائفه التشغيلية كمدرسة. كما لم يلاحظ الوزير عباس الحلبي أن محافظة جبل لبنان التي تضم 162 مدرسة و26 ألف تلميذ حظيت بنحو 47 نشاط ترميم وتوسعة لمدارسها، فيما لم ينل قضاء طرابلس ومحافظة عكار اللذان يضمان 272 مدرسة و90 ألف تلميذ أكثر من 10 أنشطة ترميم في طرابلس و8 في عكار!
لم تضع أيّ من الحكومات وغالبية الوزراء رؤى وخططاً إنمائية شاملة وعادلة مبنية على دراسات ومعطيات علمية صادرة عن مؤسسات الدولة أو عن جهات مستقلة، بل تتجاهلها وتستبعد كل التقارير والدراسات التي تصدرها الوزارة نفسها. وبالمثل، لا تلحظ المؤسسات الأممية الداعية إلى العدالة في التعليم وحق الوصول والمساواة أن المناطق الأكثر حرماناً وفقراً والتحاقاً بالتعليم الرسمي من غيرها لم تصلها مبادراتها، بسبب طغيان المصالح الخاصة أو الانتخابية والكيدية السياسية على خياراتها.