شكلت الانتخابات البلدية والاختيارية في طرابلس، محطة أساسية وهامة على أكثر من صعيد، سواء لجهة عودة الحيوية السياسية التي افتقدتها المدينة خلال السنوات الماضية بسبب الخلاف بين الرئيسين نجيب ميقاتي وسعد الحريري على خلفية قبول الأول تشكيل حكومة «قولنا والعمل». كما على صعيد تعزيز أمن واستقرار طرابلس بعد التوترات الأمنية التي عصفت بها على مدار 20 جولة عنف، فجاء الاستحقاق الانتخابي بمثابة اختبار حقيقي للخطة الأمنية التي انطلقت قبل سنتين، وقد أعطاها الناخبون الطرابلسيون شهادة نجاح، فمرّ اليوم الانتخابي الطويل من دون أي تعكير لصفوه.
ومن شأن التغيير أن ينسحب أيضاً على حال الشلل البلدي الذي عانته المدينة على مدار ست سنوات خلت تحكمت فيها الخلافات والصراعات بالمجلس البلدي المنتهية ولايته.
ويمكن القول أن هذه الانتخابات أعطت بعض الأمل الى الطرابلسيين، الذين يتطلعون بالدرجة الأولى الى إنماء مدينتهم التي تعاني شتى أنواع القهر والحرمان خصوصا في ظل المؤشرات الاجتماعية السلبية من الفقر الذي تجاوز الـ 65 بالمئة على صعيد العائلات، الى البطالة 40% الى التسرب المدرسي 58%، الى غياب كل المشاريع التي يمكن أن تعود على المدينة بالفائدة الحقيقية، وليس المشاريع الوهمية أو المصلحية التي ترتد سلبا على طرابلس وأهلها. لذلك فان من أدلى بصوته من الطرابلسيين وضع نصب عينيه التغيير المنشود، الذي يمكن أن يساهم الاقتراع للائحة كاملة تشكل فريق عمل منسجما في تحقيقه، وبالتالي وضع مدينتهم على سكة الانماء الحقيقي.
هذا في الانماء. أما في السياسة، فقد ساهمت الانتخابات البلدية والاختيارية في قلب المشهد الطرابلسي رأسا على عقب، فخصوم الأمس، الذين تبادلوا شتى أنواع الاتهامات على مدار السنوات الماضية، باتوا حلفاء يتعاونون في ماكينة إنتخابية مشتركة. والرئيس سعد الحريري الذي كان يعتبر طرابلس خزانه الشعبي، استوعب التغييرات التي شهدتها في غيابه عن لبنان، وعاد إليها متحالفا مع الرئيس نجيب ميقاتي وراضيا بشروطه، والنواب الذين توقف تضامنهم الطرابلسي الذي أنتجته الانتخابات النيابية في العام 2009، وتوقفت إجتماعاتهم التنموية، عادوا الى التلاقي تحت سقف الوفاق الذي أنتج لائحة «لطرابلس» وانضم إليهم الوزير السابق فيصل كرامي الذي يشكل تحالفه مع ميقاتي قوة إنتخابية من شأنها أن تفرض نفسها على الساحة الطرابلسية التي وضعت من خلال هذا التوافق حدا لكل الخلافات والاختلافات لمصلحة إئتلاف من المفترض أن ينعكس إيجابا على عمل المجلس البلدي المنتخب.
وحده وزير العدل المستقيل أشرف ريفي خرج من الصورة السياسية التوافقية، وواجه الحصار الأزرق الذي مورس عليه بعد قراره بالاستقالة والاستقلال سياسيا عنه، وخاض معركة إثبات وجود في مدينته تأكيدا على حيثيته الشعبية التي لا يستطيع الحريري مصادرتها. وهو بغض النظر عن نتائج صناديق الاقتراع، فقد استدرج التحالف الى معركة وأعطى الانتخابات طابعا تنافسيا ترجم من خلال الماكينات الضخمة التي واجهت لائحته أمام مراكز الاقتراع والتي إقتصر حضورها على ماكينته المبتدئة وماكينة حليفه المهندس وليد معن كرامي الذي أنشأها على عجل للمساعدة والمؤازرة.
وشهد اليوم الانتخابي حركة ماكينات ناشطة، حيث فرضت ماكينة تيار العزم نفسها بقوة في كل مكان، وتلتها ماكينة النائب محمد الصفدي المنظمة، ومن ثم ماكينة فيصل كرامي، وماكينة النائب روبير فاضل الذي اهتم بالتصويت المسيحي إنطلاقا من الاجماع الطرابلسي على ضرورة الحفاظ على التمثيل المسيحي البلدي وتفعيل دوره، فضلا عن الحضور اللافت لعناصر جمعية المشاريع، وذلك مقابل حركة ماكينة الوزير ريفي التي عانت من سوء إدارة، وحضور خجول للائحة النائب الاسبق مصباح الأحدب الذي يرأس لائحة «طرابلس عاصمة».
حتى قبل ساعة واحدة من إقفال صناديق الاقتراع، بدا أن طرابلس قد تمردت على الحالة السياسية عموما حيث لم تتجاوز نسبة الاقتراع الـ 18 %، وبالتالي فان معاناة المواطنين وشعورهم بالقهر والحرمان جعلاهم في حالة من اللامبالاة التامة، سواء بالتوافق السياسي، أو بالمنافسة والخطابات الحماسية والشعبوية التي سبقت إنطلاق العملية الانتخابية. لكن ما شهدته الساعة الأخيرة من زحمة ناخبين فاقت كل التوقعات، وأجبرت رؤساء الأقلام في التبانة وجبل محسن والزاهرية والحدادين وغيرها من المناطق الى تمديد عملية الاقتراع بعد دخول الناخبين الى المراكز ترك وراءه سلسلة تساؤلات حول الأسباب التي دفعت هؤلاء الى هذا التأخير غير المبرر لا سيما لدى أبناء الطائفة العلوية.
ويجيب عدد من المطلعين على أجواء العملية الانتخابية، بأن الماكينة الانتخابية للائحة «لطرابلس» إحتفظت لنفسها بعدد كبير من الناخبين الملتزمين باللائحة للرد على أعمال التشطيب في حال وجدت لاعادة توازن الأصوات الى بعض أعضاء اللائحة، في حين أن المجلس الاسلامي العلوي قد دعا الى التصويت للمرشحين العلويين على اللائحة الاختيارية التي تضمهم مع مرشحي التبانة بعدما وجد خطرا عليهم، وذلك لتأمين فوزهم، مع ترك الخيار لهم بالتصويت للائحة «لطرابلس» البلدية.
كما يعتقد المطلعون أن الشائعات التي بثتها بعض الجهات عن لجوء بعض اللوائح الى دفع أموال في الساعتين الأخيرتين قد أدى الى إحجام الكثير من الفقراء عن الاقتراع والانتظار، ولكن عندما تأكدوا أن هذا الأمر غير صحيح، سارعوا الى الأقلام للادلاء بأصواتهم، حيث إستمرت عمليات التنخيب الى ما بعد الساعة الثامنة وتجاوزت الـ 25%.
الميناء
وفي الميناء التي تعاني من غياب بلديتها منذ أكثر من ثلاث سنوات بفعل حل مجلسها التوافقي السابق برئاسة السفير محمد عيسى، نزل الناخبون الى صناديق الاقتراع من أجل تجديد بلديتهم بما يمكنها من القيام بالكثير من الخدمات والتقديمات على كل صعيد، إضافة الى المشاريع المتوقفة منذ سنوات وتنعكس سلبا على مدينة الموج والأفق.
وبدا لافتا حضور ماكينة لائحة «الميناء حضارة» التي يرأسها عبدالقادر علم الدين والتي يدعمها التحالف السياسي الطرابلسي، والتي نشطت في كل حدب صوب وأمام كل مراكز الاقتراع، وحثت الناخبين على الاقتراع لمصلحتها، إنطلاقا من خبرة علم الدين في كيفية إنماء الميناء خصوصا أن كل الانجازات التي شهدتها من الكورنيش البحري الذي يعد الأطول في لبنان وصولا الى القصر البلدي الذي قدمه الرئيس نجيب ميقاتي كان في عهود رئاسته. كما أن التصويت المسيحي جاء بمعظمه بحسب الماكينة الى لائحة علم الدين كونها تضم سبعة مرشحين مسيحيين من كل المذاهب، وكذلك صب الأرمن وخصوصا حزب الطاشناق أصواتهم لها.
في المقابل كان هناك حضور لماكينتيّ لائحة «الميناء لأهلها» و «الميناء بيتنا»، لكن نسبة الاقتراع الخجولة انسحبت من طرابلس الى الميناء التي شهدت قبل إقفال صناديق الاقتراع بعض النشاط حيث حاولت اللائحتان المتنافستان تعويض ما فاتها خلال النهار الطويل.
القلمون
عاشت القلمون عرسها الديمقراطي كعادتها، فالبلدة الوادعة تعرف كيف تخوض إنتخاباتها، حيث احتشد أبناؤها في مركز الاقتراع وتوزعوا على الاقلام لاختيار إما اللائحة المدعومة من التحالف السياسي الطرابلسي برئاسة طلال دنكر، أو اللائحة المنافسة برئاسة الدكتور ثائر علوان.