يقترب ليلُ يوم الإثنين، المهلةُ النهائية لتسجيل اللوائح، وحربُ الشائعات تطغى في الدوائر والأقضية اللبنانية كافة، ويتسارع المرشّحون المتريثون إلى حسمِ أمرهم بالاتفاق على «الالتقاء تحت سقف لائحةٍ واحدة لتأمين الحاصل أوّلاً، وتأمين التمويل ثانياً، والالتفات إلى الثوابت ثالثا».
وأمام زحمة المرشحين وزحمة اللوائح، تعمّ الشائعات البلد، فالعاصمة الثانية للبنان تنام على تحالف وتستفيق على استقالة وتنام على لوائح نهائية وتستفيق على مفاوضات، منها قيد البحث ومنها شائعات، وسط غياب ملفِت لحرب الشعارات والعناوين السيادية المضادة.
فاللافت أنّ اللوائح الطرابلسية التي لم تتسجّل بعد بل حتى تلك التي شكّلت وتشكّلت وسُجّلت، ما زالت متوجّسةً من اقتسام الحاصل الانتخابي على أقويائها، إذ لا يَستبعد بعض الخبراء المراقبين أن يشكّلَ الحاصلُ الانتخابي بدوره مفاجأةً أخرى أسوةً بالصوت التفضيلي الذي يتسابق رؤساءُ اللوائح إلى التأمين عليه.
حسابات مربكة
تلك المعطيات دفعَت بالرؤساء المعترضين للّوائح أو القوائم في طرابلس إلى مراجعة حساباتهم، فالحسبة الرقمية هي الحاكمة في طرابلس كما في كلّ لبنان.
والصورة في طرابلس مغايرة اليوم، فالرأسماليون ورجال الأعمال هم الحاكمون ولهم الأولوية في تصدّرِ اللوائح، ولا خجَل من إعلان المؤكّد.
وسط هذه الحسبة وهذا «الميدلي الانتخابي» تتخبّط طرابلس وقوائمُها، فالرئيس نجيب ميقاتي ما زال يراجع ملفّاته وحساباته وأصواته التفضيلية و»قسمة» حاصلِه الانتخابي.
يؤخَذ على ميقاتي عدمُ قدرة أعضاء «لائحة العزم» على توزيع الأصوات التفضيلية، وأنّه لم يجدّد الحياة السياسية، بل اختار الطقم القديم في وقتٍ وعد بتجديد وبتطعيم الحياة السياسية في طرابلس بالدم الجديد.
إلّا أنّ ميقاتي يتذاكى في الردّ على منتقِديه كالمعتاد بحصر الأضرار والعتب عليه، وذلك من خلال اختياره أسماءَ تقليدية وغير نافرة وغير مستفزّة باختيار الوزير السابق جان عبيد الذي يُعرف بمكانته شمالياً، وبذلك ينفد ميقاتي من مطالب التيار «الوطني الحر» في تمثيل المقعدين المسيحيَين في طرابلس الماروني والأرثوذكسي على لائحته. الأمر نفسه مع المرشح الوزير السابق نقولا نحاس شريك ميقاتي والصديق القديم الذي بدوره جنَّبه المنافسة المحلية ومطلبَ التيارين.
في المقابل، الرئيس سعد الحريري الذي يُعبّئ شمالاً مؤخّراً، يعتمد على قاعدته الشعبية ومستشاريه الذين ينشطون للحشد مجدّداً. وهو تنفّسَ الصعداء بعد انسحاب خالد الضاهر واعتكاف كاظم الخير، لتبقى لائحة اللواء أشرف ريفي التي يُطلب منها الالتزام بالوعود، على المحكّ، فالحسبة الريفية تختلف اليوم عن حسبة الأمس وهي تهدّد توقّعات وزير العدل السابق في حال أخطأ تقدير «قرار الشعب» الذي نصَّبه زعيماً طرابلسياً في الانتخابات البلدية.
عبَيد و«فرصة الثقة»
الوزير جان عبيد، المرشّح الماروني على قائمة ميقاتي، يتوجّس من القانون الغدّار وأيضاً مِن غدر أهل البيت والمذهب الواحد وأهل الوطن الواحد، ويصِف ترشّحه بـ«فرصة ثقة»، على أن يترجَم بالصناديق، فيما يعتبر أنّ اعتكافه سياسياً هدية لن يقدّمها، فالوجود الماروني وبُعده في مدينة طرابلس يجب أن يكون متمثلاً. وهو يُراهن على أصدقائه، وهم كثُر، في طرابلس والمنية والضنّية.
يَرفض عبيد الاستسلامَ بسبب اعتراضِه على القانون، لذلك هو لا يعلن رفضَه له بل الإصرار على تغييره، مؤمناً بأنه لن يستطيع تعديله إلّا من داخل البرلمان. ويقول عن هذا القانون إنّه يجعل الحليف يَغدر بالحليف والمذهبَ يتنازل عن المذهب الثاني في الدين الواحد، والدين ينسى الدين الآخر في الوطن الواحد، وهو لا نيّة لديه بغدر الآخرين. في المقابل، ليس متأكّداً من ضمائر الآخرين بل من ضميره فقط، أمّا الآخرون فيعطيهم فرصة ثقةٍ ليرى بعدها إذا كانت تلك الفرصة في مكانها أم لا.
برأيه، إنّ القانون يَلزمه «قلع من جذوره»، إنّما يجب الخضوع له اليوم لتبديله لاحقاً.
«مفاجآت ريفية»
حالة التضعضُع التنظيمي التي تشهدها الحالة الريفية تؤكّد تسليمَه بالرسالة السعودية التي أوحت بتبنّيها للحريرية السياسية، لا سيّما بعد مفاجأة الضاهر، إلّا أنّ ريفي عازمٌ على تشكيل لائحته في عكار ولو بصعوبة عبر مرشّحين مغمورين، في وقتٍ تعاني الحالة الريفية من تخَلّي عناصر شعبية عن دعمِها مِثل نبيل الحلبي من بيروت، بالاضافة إلى بعض الشخصيات الناشطة شمالياً التي انضمّت إلى أحمد الحريري. إلّا أنّ ريفي مستمر ويَعتمد على شعبيته.
«مفاجأة كرامية»
تتمثّل هذه المفاجأة بعزم كامل الخير، المقرّب من «حزب الله» في المنية وهي الدائرة الثانية شمالاً، والمرشّح عن الطائفة السنّية، على تشكيل لائحة في وجه لائحة فيصل كرامي، بعدما تمنّعَ الأخير عن ضمّ الخير إلى لائحته مفضّلاً انضمام جهاد الصَمد.
هذه اللائحة التي تُعتبَر الثانية لفريق 8 آذار ستضمّ ممثلاً عن «الحزب العربي الديمقراطي» وممثلَين مسيحيَّين يسمّيهما «التيار الوطني الحر»، بعد تخلّي كرامي أيضاً عن ممثل التيار طوني ماروني والمرشح عن المقعد الماروني لصالح رفلِة دياب المرشح عن المقعد الأرثوذكسي المحسوب على تيار «المردة» بحجّة أنّ وصيّة والده الراحل عمر كرامي هي ترْكُ المقعد الماروني شاغراً في حال ترشّح صديق العائلة جان عبيد.
إلّا أنّ المعلومات تكشف أيضاً أنّ العلاقة ليست وطيدة بين رئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل وفيصل كرامي الذي فضَّل التهرّب من تبنّي مرشّح التيار مقابل خيار انضمام مرشّح «المردة».
إصرار التيّار على تسمية المسيحيّين
والجدير ذكرُه أنّ «التيار الوطني الحر» والخير و»الحزب العربي الديموقراطي» مصِرّون على تشكيل لائحة لمواجهة الواقع المفروض، وسط صمتٍ من «حزب الله» الذي لطالما قال عن التيارين «المردة والعوني»: «هذه عيني وهذه عيني»، تاركاً اللعبة الانتخابية في الشمال تأخذ مجراها الطبيعي، في وقت ينكبّ «التيار الوطني الحر» على مفاوضات الساعات الأخيرة التي قد تأتي بمرشّحين مسيحيين يسمّيهم بنفسِه، وهذه المفاوضات قد تطرَح لائحةً جديدة لن تُقفَل حتى الساعات الأخيرة، وقد تنضم ّاليها «القوات اللبنانية» و»الجماعة الإسلامية».
أمّا المفاجأة في هذه اللائحة التي تقول المعلومات بأنّه سيطلَق عليها اسمُ «لائحة التحالف»، فتتمثل في احتمال انضمامِ الخير إليها إذا لم يتمكّن من تشكيل لائحة، عندئذ ستنسحب «القوات» حكماً منها، إلّا أنّ التيار يكون قد استطاع للمرّة الأولى تسمية المرشّحين المسيحيين في طرابلس.