IMLebanon

تحرّرت طرابلس.. ومعها «المكرمة السعودية»!

شكّلت زيارة ولي العهد السعودي الامير سلمان بن عبد العزيز الى باريس في مطلع ايلول الفائت محطّة هامة في تقرير مصير هبة الثلاثة مليارات دولار الممنوحة من السعودية الى لبنان.

وفيما افادت المعلومات بأن الزيارة كرّست آنذاك التوافق النهائي على عقد التسليح بين السعودية وفرنسا، والذي يتطلّب مسبقا موافقة قيادة الجيش (على لوائح الأسلحة)، فإن توقيت التوقيع الرسمي يستمر مدار تحليل واستنتاجات.

قيل كثيرا في السابق ان مصير المكرمة السعودية مرتبط بمصير الاستحقاقات الدستورية وعلى رأسها رئاسة الجمهورية على قاعدة «لا تسليح إلا مع بداية عهد رئاسي جديد». لاحقا تبيّن ان هذا الشرط ليس مطلوبا.

عمليا، لم تفتح مخازن الاسلحة الفرنسية للبنان، بالاموال السعودية، إلا بعد ان اصبح «الأمر» للجيش في طرابلس وكل البؤر المشبوهة بعد إسقاط مشروع الامارة من عرسال الى بحر عكار.

يقول مطّلعون ان «الإفراج عن المليارات الثلاثة دليل ثقة خليجية وغربية بأداء الجيش، وبأن السلاح الذي يملكه قد استخدم في المكان الصحّ».

قال «الثنائي الشيعي» كلاما واضحا داعما للجيش وقيادته، كان آخره ما جاء على لسان الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله مساء أمس. كان الهدف هو رفع الغطاء عن حبر بعض الانتقادات الموجهة لقائد الجيش العماد جان قهوجي على خلفية مشاركته في اجتماع قادة جيوش التحالف ضد «داعش» في واشنطن.

بالأمس، فُتح مجددا باب التكهنات حول مغزى حضور قائد الجيش شخصيا مراسم توقيع الاتفاقية بين وزير المال السعودي وشركة «اوداس» الفرنسية في القصر الملكي في الرياض، اليوم، برعاية رئيس الديوان خالد التويجري الذي يتولى بـ«أمر ملكي» الإشراف على عملية صرف الهبة.

المخيّلة «ستشطح» طبعا صوب قصر بعبدا عبر توظيف المشهد في السيناريوهات الرئاسية المحتملة. آخر أقوال المقرّبين من قهوجي تفيد بالآتي: «الطموح السياسي ليس عيبا. لكن قائد الجيش يعمل حصرا اليوم تحت عنوان واحد هو الحفاظ على الجمهورية وحمايتها من التكفيريين، كي لا ننتخب لاحقا رئيسا تطوّقه «إمارات» التطرّف والارهاب من عرسال الى عكار».

بين عرسال وطرابلس، رَسَم الجيش مؤخّرا خطا فاصلا بين مرحلتين: ما كان جائزا قبل إعلان اساطيل التحالف الجوية حربها على الارهاب لم يعد جائزا بعده. وها هو القرار السياسي «المؤجل»، منذ بداية الأزمة السورية، يحضر على طبق التوافقات الاقليمية من أجل بيئة «أكثر أمانا» من التكفيريين.

وفي اللحظة التي غادر فيها قهوجي بيروت الى السعودية، كان الجيش يلاحق مطلوبي طرابلس والتبانة والزاهرية وبحنين، والهدف هو الوصول الى الرؤوس الكبيرة قبل الصغيرة، فيما القيادة تصدر الوثائق الامنية بحق مطلوبين كان المسّ بهم في السابق من «المحرّمات».

وحسب الأوساط المعنية، «تكمن أهمية مشاركة قهوجي في احتفال التوقيع في كونها تأتي في سياق قرار حاسم اتخذته قيادة الجيش بملاحقة الارهابيين حتى آخر وكر».

في عرسال، يفرض الجيش طوقا على إرهابيي «النصرة» و«داعش»، ويحبط يوميا محاولات اختراق ويداهم المواقع المشبوهة ويوقف مطلوبين.

في طرابلس كما في كل البقع التي شهدت مواجهات ضد الجيش في الشمال، تؤكّد أوساط معنية «أن الأمور تحت السيطرة»، وهذه عبارة لم يكن بالامكان استخدامها طوال جولات التقاتل التقليدية بين جبل محسن وباب التبانة.

والمؤسف بالنسبة للأوساط المعنية، أن الجيش يستمر بمهمته تحت سقف غطاء سنيّ مشوب بلغتين متناقضتين: من جهة، الرئيس سعد الحريري يرسم معادلة «الجيش أولا» ويؤكد بأعلى الصوت «اننا لا يمكن ان نغطي اي مرتكب يخالف قواعد العيش المشترك بين اللبنانيين، وسنواجه اي محاولة للنيل من الجيش ووحدته وسلامته ودوره في حماية اللبنانيين».

ومن جهة ثانية، تدعو «كتلة المستقبل» الى «اعتماد الحزم المبني على الحكمة والتبصر والابتعاد عن الممارسات والتوقيفات العشوائية والكيدية»، وتكمل، كما في بيانها، أمس، ان خطوات الاجهزة الامنية الأخيرة «في الكشف عن بعض مستودعات الاسلحة في طرابلس خطوة في الاتجاه الصحيح لا بدّ من تعميمها وتنفيذها بشكل دائم وعام وعادل في كل المناطق اللبنانية حتى لا تفقد هذه الخطوة صدقيتها والجدوى منها».

وتقول الأوساط «إنه منذ اللحظة الاولى لاندلاع اشتباكات طرابلس، وبتوافر غطاء سياسي واضح المعالم، اتّخذت قيادة الجيش قرارا بالحسم وعدم المهادنة بالرغم من الضغوط التي تعرّضت لها لوقف إطلاق النار».

وتوضح الاوساط «ان الجيش لاحق المسلّحين الهاربين من الأسواق والزاهرية باتجاه التبانة وحاصرهم في مربعهم الامني الاخير، وقد اقتحم الجيش مواقع في التبانة كانت مزروعة بالالغام والمتفجرات ممّا صعب مهّمته. وثمّة احتمالان قد يفسّران احتمال نجاح شادي المولوي وأسامة منصور في الهروب: إما التسلل مع مئات المدنيين الذين هربوا من التبانة، او أنهم تواروا عبر الزواريب والسطوح أو فجوات معدّة سلفا لسيناريو الهروب».

لا معلومة واضحة اليوم بشأن مكان تواجد المولوي ومنصور، إلا أن مصادر عسكرية تؤكد «ان المداهمات مستمرة، وإذا كانا لا يزالان موجودين في التبانة وطرابلس فسيتمّ اعتقالهما».