Site icon IMLebanon

طرابلس… أين القراءة الصحيحة؟

تنوّعت القراءات لاستخلاص العبر ممّا حصل في انتخابات طرابلس البلدية والتي أدّت إلى مفاجأة فوز لائحة الوزير أشرف ريفي، لكن تبقى أحدثها وأبرزها قراءتان تداولتهما أخيراً مراجع سياسية لبنانية وأشارت إليهما إلى أنهما الأكثر رزانة لأنهما تستندان لمعلومات ومعطيات دقيقة.

القراءة الاولى منسوبة إلى أجواء من بينها الرئيس نبيه برّي، وهي ترى أنّ انتخابات بلدية طرابلس انطوت على عِبَر جدّية يراهن على أنها ستصبّ في خدمة إقناع اقطاب الطوائف الكبار بأنّ النسبية أصبحت حلّاً لهم لتحاشي تغيّرات شعبية تتكوّن بسرعة، مثلما تشكل حلّاً أيضاً لتمثيل المجتمع المدني والشخصيات المستقلة.

يقول برّي أمام بعض زواره إنّ مَن يظن أنّ لائحتنا المتحالفة في بيروت انتصرت في انتخاباتها البلدية، مخطئ. فقد أعطانا الأحباش ١٢ الف صوت و«الطاشناق» ٤ آلاف. لقد فازت لائحتنا تقريباً بأصواتهم.

ويرى برّي أنّ الأرض تتغيّر والمطلوب الذهاب إلى النسبية لكي نعطي القوى الجديدة حصّتها ونأخذ نحن حصّتنا، ومن دون ذلك فإنّ احزاب السلطة تربي بين ثناياها بديلها المدني من جهة وبديلها المتطرف من جهة ثانية.

ويعترف برّي للمرة الأولى بالواقع الجديد، وهو بذلك يقترب من النائب وليد جنبلاط، ولكنّ رئيس المجلس النيابي يُحاول استخدام هزيمة انتخابات طرابلس وما يُسمّيه بالنصر المهزوز في بيروت، كوسائل إيضاح لحث الرئيس سعد الحريري الذي لا بديل عن زعامته السنّية والوطنية المعتدلة، على التخلي عن رفضه لقانون انتخابي فيه نسبية، لأنّ النسبية لم تعد علقماً لتيار «المستقبل» وللمحادل الثنائية الحزبية، بل صارت نوعاً من الدواء المفيد لاحتواء الضيفين الاعتراضين الجديدين، «المدني والمتطرّف»، الذي تعتمل به الساحة السنّية.

القراءة الثانية منسوبة الى تقديرات سياسية – أمنية مركّبة، وتقول إنّ هزيمة لائحة الحلفاء السنّة الكبار أمام اللواء ريفي في معركة طرابلس كانت أسبابها تقنيّة بنسبة ستين في المئة، إذ إنّ لائحة التحالف وضعت للمعركة الانتخابية «استراتيجية سيّئة»، مفادها العمل على جعل نسبة الاقتراع في طرابلس منخفضة للحدّ الأقصى.

والسبب الذي حتّم اعتماد استراتيجية تقليل نسبة التصويت بدل رفعه، يعود لوجود فرضية اتفق عليها أقطاب طرابلس المتحالفون وتفيد بأنّه في حال اقترع ٢٠ ألفاً في انتخابات بلدية طرابلس، ونال ريفي أصوات ٧ آلاف منهم، فإنه لن يكون بمقدوره استخدام هذه النتيجة ليطالب بتمثيل يوازيها في الانتخابات النيابية.

أما إذا اقترع خمسون ألفاً وفاز ريفي بعشرين ألفاً منهم، فإنه حينها لن يكون ممكناً تجاهل طلبه في موسم الانتخابات النيابية بأن يكون له تمثيل على اللائحة يساوي العدد الكبير من الأصوات التي نالها في البلدية.

لقد صمّم مَن يسميهم التقدير بـ«حلفاء ضرورة اللحظة البلدية في طرابلس»، استراتيجية رديئة خاضوا على أساسها معركة طرابلس، وهي قامت على افتراضات مغلوطة؛ إذ إنهم اعتقدوا أوّلاً أنّ تحالفهم سيقود إلى فوزهم بكلّ الأحوال؛ واعتقدوا ثانياً أنّ المعركة مع ريفي هي لإظهار ضآلة حجمه النيابي وليس ضدّ فوزه في الانتخابات البلدية.

وثالثاً، تركز همّ كلّ قطب داخل لائحة «تحالف اللحظة البلدية» على كيفية تظهير حجمه في مقابل الآخرين داخل صناديق الاقتراع.

ولتفادي هذا الإحراج أو أقلّه للتقليل منه، وجد مصمّمو اللائحة أنّ افضل طريقة لعدم خوض معركة تظهير أحجامهم داخل اللائحة، ولشطب ريفي من معادلة الانتخابات النيابية المقبلة، هو الذهاب لاستراتيجية خفض منسوب الاقتراع الى الحدّ الأقصى. ولكن ما حصل هو أنّ ريفي افاد من هذا الامر لأنّ مؤيّديه في مقابل استراتيجية خصمهم بخفض نسبة الاقتراع، اعتمدوا استراتيجية رفع نسبة التصويت بين بيئاتهم.

يبقى القول إنّ نسبة الاصوات الوفيرة التي نالها ريفي من فقراء طرابلس بحسب التقدير عينه، وصلت اليه على طريقة التصويت السلبي له. بمعنى أنّ هؤلاء اقترعوا لصالح ريفي في ساعات ما بعد الظهر المتأخرة من يوم الانتخابات، وذلك رداً على إهمالهم من الرئيس نجيب ميقاتي الذي كان معنيّاً بعدم التواصل معهم انطلاقاً من رغبته في تطبيق استراتيجية خفض معدل نسبة الاقتراع في انتخابات طرابلس.

ويطرح التقدير عينه أسئلة عما يمكن استنتاجه من نتائج معركة طرابلس البلدية؟ كما يطرح في هذا المجال العديد من الاستنتاجات، يبقى أبرزها الطريقة التي سيتصرّف بها ريفي بعد فوزه. هل سيتّجه الى تثمير هذا الفوز في اتجاه تحسين شروط مصالحته مع الرئيس سعد الحريري؟

أم انه سيحاول المراكمة على هذا الفوز لمصلحة التمسّك بخطابه السنّي الطرابلسي المتشدد والافتراضي على سلمية الحريري، علّ ذلك يفيده بأن يكرّر في الانتخابات النيابية ٢٠١٧، مفاجأة فوزه نفسها التي حققها في الانتخابات البلدية ٢٠١٦.

يقول ريفي إنّه في صدد إنشاء حركة سياسية وليس حزباً أو تياراً، وأنه يمثل خطّ الحريرية الصحيح، لكنّ السؤال هو عن الفرق الذي يقصده ريفي بين الحركة من جهة والتيار والحزب من جهة ثانية، إذ إنّ كلّ هذه الأطر تستلزم إنشاءَ هياكل حزبية.

وريفي المتّصف بأنه الإبن البار لمؤسسة قوى الأمن الداخلي، سيعي أنّ الحالات السنّية التي ركبت موجة الاعتراض على الحريرية السياسية المعتدلة، تدحرجت لتجد نفسها أخيراً في صدام مع النظام العام ومعادلة الاستقرار النسبي الموجود في البلد والذي يقوم على ثلاثة خطوط حمر موقتة ولكنها تحظى بدعم خارجي، ولن يسمح بإسقاطها حتى إشعار آخر؛ وهي:

١- استمرار الحوار بين «حزب الله» وتيار «المستقبل» لأنّ وظيفته ليست إنتاج حلول للأزمة العميقة بينهما، بل ربط نزاع وسحب الاحتقان السنّي – الشيعي من الشارع الى قاعدة حوار عين التينة بين الأصفر والأزرق، وفصل لبنان عما يحدث في المنطقة من احتراب مذهبي وحتى عن الحرب الدولية والسعودية الناعمة ضدّ «حزب الله».

2 – عدم استقالة حكومة الرئيس تمام سلام طالما قصر بعبدا شاغر.

3 – دعم مؤسسة الجيش في وجه الارهاب والقوى والاجهزة الامنية الاخرى، وتوحيد الموقف السياسي اللبناني وراءها. وهذا الامر الاخير هو خط احمر دولي دائم.

ويختم هذا التقدير بأنّ نتائج انتخابات بلدية مهما كانت هذه البلدية، لن يكون مسموحاً لها أن تتفاعل على نحوٍ يؤدّي الى الإضرار بمعادلات الاستقرار النسبي في البلد المحسوب جيداً والمدعوم بقوة من الخارج، أو أن يؤدّي الى إقحام لبنان والشمال خصوصاً في مناخات تعكر سلاسة وحدة الموقف السياسي الحزبي والشعبي الداعم لمعركة الجيش اللبناني ضدّ الإرهاب الذي يحاول اختراق الامن اللبناني بكثافة في هذه المرحلة.

والواقع أنّ أهمّ الاستنتاجات التي تخلص اليها أحدث القراءات السياسية لنتائج انتخابات طرابلس البلدية وغيرها المشابهة لها ولو جزئياً، يمكن تلخيصها بأمرين أساسيّين، الأول يميل للاعتقاد بأنها ستساعد في حلحلة أزمة تعثّر التوافق على إنتاج قانون انتخابي جديد يتّسم بأنه سيضمن «نسبية»، وأنها ستعزّز قناعة مستجدة لدى بعض الاحزاب المسماة «أحزاب السلطة» بمراجعة الفيتو الذي تضعه على قانون النسبية لمصلحة انتاج قانون مختلط، لأنّ النسبية أصبحت في لحظة ما بعد الانتخابات البلدية مطلباً للقوى الكبيرة المتوجّسة وأيضاً للقوى الصغيرة الصاعدة.

كما أنها ستعيد ثانياً انتاج الحاجة لدور الحريري على المستوى الوطني والاقليمي كضامن أساس للاعتدال السنّي كما يقول برّي، مؤكداً أنه يعلن ذلك رغم أنّ جميع الزعماء السنّة الآخرين هم أصدقائي وثقتي كبيرة بهم.