IMLebanon

ترويكا

 

يترقّب اللبنانيون اليوم اجتماع الرؤوس الثلاثة للجمهوريّة السعيدة، وبالرّغم من الحديث عن التفاؤل وتبريد الأجواء والتهدئة قبيل موعد الانتخابات، تبدو الصورة مزعجة جدّاً «المثالثة» المتحفزّة تنتظر منذ السابع من أيار العام 2008، ما لم تأخذه بالسلاح تريد أخذه إمّا بالانتخابات وإما بالسيطرة على الرئاستين الأولى والثالثة، وكلّ حديث عن عدم سعيٍ إلى هذه المثالثة باطل، لأنّ الترجمة على أرض الواقع تؤكّد العكس! تسارع بالأمس اختصار المشهد كما أطّرت له وكالة «المركزيّة»، «تكريس مثالثة في الحكم، مسيحية – سُنّية – شيعيّة، أو إحياء «الترويكا» التي كانت قائمة إبان الوصاية السورية والتي يتشارك فيها الرؤساء الثلاثة في كلّ القرارات، وهو على الارجح ما لن يقبل به الرئيس عون كون الشراكة التي ينص عليها «الطائف» اسلامية – مسيحية، وليست مذهبية».

 

وفي انتظار مشهد اليوم، كان للمشهد الإعلامي اللبناني العجب، خلال 48 ساعة فقط شاهدنا محطات أربع توجّه حروبها ضدّ بعضها البعض، وما يُسمّى بافتتاحية النشرة الإخباريّة الرئيسيّة، أو «مقدّمة» النشرة، رأيناها ميدان حرب حقيقيّة تشنّ فيها المحطات حروباً شعواء على بعضها البعض وكلّ يدّعي أنّه الحريص على الحريّة والمصداقيّة وجمهور المشاهدين، من قال إنّ غوبلز الهتلري مات وشبع موتاً؟!

ينتاب اللبنانيون منذ انفجر الشارع بين حركة أمل والتيّار العوني، شعورٌ مماثلٌ للذي نطق به بطل وليام شكسبير في مسرحيته « كوميديا الأخطاء» التي كتبها في عام 1592ـ 1593 وظهر فيها لأول مرة ذكر طريقة صناعة كرة القدم، ففي أحد مقاطع هذا العمل المسرحي يشكو شكسبير على لسان أحد أبطاله قائلاً: «إذ أردتم التلاعب بي ككرة قدم، فالرجاء أن تخيطوني على الأقل من الجلد»، نحن كتلك الكرة تتلاعب بنا أرجل الكرامات السياسيّة ورؤوسها الحامية!

مسكين الشعب اللبناني لا يحتاج إلى عدو، فعدوّه منه وفيه، أثبتت الأيام الأخيرة أن شعوب الطوائف مستعدّة للانجرار إلى حروب أهليّة، كأنّنا لم نتعلّم شيئاً من تجربة الحرب المريرة، ثمّة هناك من هو جاهز دائماً لأخذ البلد إلى الحريق، ومعه أيضاً الإعلام المسعور الذي لا يقصّر في إذكاء نيران الحريق، أحياناً أظنّ أنّنا شعب عدوّ نفسه لشدّة انقياده كالقطيع خلف «الزعيم»!

عام 1882 عرضت مسرحية «عدو الشعب» للكاتب النرويجي الكبير هنريك إبسن عبرة لمن يعتبر، بطلها الدكتور توماس ستوكمان ـ وعائلته ـ مفتش صحة حمامات البلدية، هوفستاد  رئيس تحرير جريدة «رسول الشعب»، ‫بيلنج  «محرّر لدى جريدة هوفستاد»، أسلاكسن صاحب مطبعة.. للمفارقة، كتب إبسن المسرحية كردّ فعل على الانتقادات التي لاحقته بعد نشر مسرحيته «الأشباح»، والتي اعتُبِرت فاضحة لتناولها الصريح للأمراض التناسلية كإشارة إلى فساد القيم الاجتماعية وأضرارها على الأسرة، واعتُبِر تناول إبسن لهذا الموضوع منافياً للآداب من منظور الأخلاقيات الفيكتورية السائدة في تلك الفترة، ووجَّه إبسن هجومه في «عدو الشعب» إلى الأكثرية المنقلبة ضده التي لا تفكِّر عندما يتعارض التفكير مع مصالحها.

باختصار، وعلى الطريقة الغوبلزيّة المتغلغلة في العقل اللبناني، تروي المسرحية قصة طبيب يعيش في إحدى القرى التي يقصدها السياح للاستحمام في حماماتها العامة. وسرعان ما يكتشف الطبيب أن الماء الذي يستحمون به ملوث ويصيبهم بأمراض خطيرة، فيثير القضية في القرية رأفة بالناس من دون أن يدري أنه سيدخل في صراع مرير مع أصحاب المصالح من تجار وصحافيين ومنتفعين والمتحكمين بالأمور الذين يجنون أرباحاً طائلة من تجارة المياه الملوثة، فيشنون حملة مضادة ضد الدكتور ستوكمان متهمين إياه بأنه «عدو الشعب». وبفضل مكرهم ودهائهم وسطوتهم في القرية يستطيعون تأليب السكان ضد الطبيب المسكين ويدفعونه للرحيل بالرغم من أنه صديق الشعب وهم أعداؤه.

المشهد اللبناني مطابقٌ لمواصفات مسرحيّة هنريك إبسن، المضحك المبكي، أنّ اللبنانيّون يودّون شكر العدو الإسرائيلي صاحب الفضل في جمع «ترويكا» اليوم، لولا أفيغدور ليبرمان وعدوانه على البلوك 9، لربّما كانت الإطارات المشتعلة ما تزال تقطع الطرقات!