خرجت الأمور مجدداً على وسائل الاجتماعي بين القواتيين والعونيين عن اطارها المقبول ومسارها المرسوم منذ تفاهم معراب مع السجال الحاصل في موضوع الكهرباء واعتراضات وزراء القوات على الخطة الانقاذية التي طرحها وزير الطاقة وقضية استئجار البواخر التركية لتطال التفاهم رغم حرص قيادة الطرفين على عدم انزلاق السجال الى حدود غير مسموح بها حفاظاً على التفاهم ولكي لا تتوتر العلاقة، لكن اعتراضات وزراء القوات لم تعجب الجمهور العوني فيما حاول قواتيون التعبير على وسائل التواصل الاجتماعي عن تمسكهم بمعادلة «اوعا خيك» وفصل التفاهم السياسي عن التقني فيما ظهر محصلة التجاذب الحاصل على مواقع التواصل ان وزراء التيار الوطني تطالهم شبهات فيما اظهرت مواقف وزراء القوات بانهم وزراء تقنيون واصلاحيون . لكن السؤال كيف سيتم ضبط الوضع والى اي حد سيؤثر التجاذب الكهربائي على علاقة الحليفين ؟
ممنوع ان تتكهرب العلاقة بين القوات والتيار الوطني الحر وليس مسموحاً بها، هكذا تعلق اوساط مسيحية على ما يحصل بين الطرفين في موضوع الكهرباء، فالخلاف تقنياً واقع في موضوع الكهرباء وللقوات نظرة مختلفة حيال الملف فيما يتمسك التيار الوطني الحر بخطته الانقاذية للكهرباء وبرؤيته وخبرته في التعاطي مع الملف وهو الذي صار له باع وعمر طويل في وزراة الكهرباء يدرك تفاصيل الملف الكهربائي وطرق معالجته.
لا يبدو ان القوات في صدد التراجع عن موقفها في ملف الكهرباء ، هكذا يمكن فهم المؤتمر الصحافي المشترك لوزراء القوات لشرح مواقفهم واسباب اعتراضاتهم على خطة وزير الطاقة التي تكلف الخزينة اكثر من ملياري دولار ، مطالبين بضرورة مأسسة العمل الحكومي والعودة الى مجلس الوزراء في تنفيذ كل مراحل الكهرباء رفعاً للمسؤولية عنهم، وان تحصل المناقصات عبر ادارة المناقصات، وذلك حرصاً على شفافية العهد وعدم الصاق تهمة الفساد بوزراء التيار كما يقول قواتيون، ولأن القوات تتمسك بتفاهم «اوعا خيك» ولكن موقفها مبدئي من الموضوع.
بدون شك ليست المرة الاولى ولا الأخيرة التي يتعرض فيها التفاهم لخضة ، انتخابات نقابة المهندسين اظهرت خلافاً وعدم قدرة على ضبط الشارع الانتخابي وسوء ادارة المعركة لكنها محاطات تعبر بسرعة، وثمة محطات كثيرة المحطات التي تعرض فيها التفاهم لاهتزازات خفيفة لكنها ظلت اهتزازات عابرة لا تأثير سلبي فعلي لها في روحية هذا التفاهم واسبابه وموجباته خصوصاً انه تجاوز مطبات صعبة وشائكة قد لا تكون أزمة الكهرباء الا واحدة منها حيث سيكون لها تتمات ولكن دون ان يقع هذا التفاهم او تطاله الشبهات ، فالتفاهم وفق اوساط قريبة منه شيء وتصويب المسارات وتفعيل عمل المؤسسات ومواكبة عمل الدولة امر آخر . التفاهم أنجز الانتخابات البلدية رغم بعض الشوائب والاختلافات واستطاع تجاوز القطوع البلدي باقل الخسائر، اخفق او فشل في بعض المحطات النقابية في ضبط البوصلة وادارة المعارك الانتخابية لكن هذا لا يعني ان التفاهم سيقع او سيسقط وان الخلاف سيعود كما كان ، فكل المؤشرات تدل على ان الفريقين سيخوضان الانتخابات النيابية وانهما في الخندق ذاته في معركة القانون وان لم تجلس القوات على طاولة صياغته مع المستقبل والثنائيتين، بعض التجاذبات او الاختلاف في وجهة النظر حيال الملف الكهربائي لا تعني العودة الى المتاريس السياسية بين القوات والتيار الوطني الحر.
التيار الوطني الحر حتى اللحظة يتعاطى على مستوى القيادة حيال مواقف القوات بكثير من التفهم لرأي الآخر، فخطوة القوات الكهربائية جيدة في سياق مواكبة القوات لعمل الدولة، والطروحات التي تقدمها اقتصادية محض ولا دخل للسياسة كما يحاول البعض تصوير الموقف او افتعال الخلاف، وجهة نظر القوات تتعلق بالتفاصيل التقنية ولا يجب الخلط بين السياسي والتقني في الموضوع. بالنسبة الى العونيين ثمة ارتياح تام لأداء وزراء التيار، رئيس الجمهورية على اطلاع على عمل وزراء تياره وهو الذي قال بان الوزير سيد نفسه في جلسة مجلس الوزراء دفاعاً عن وزير الكهرباء لاطلاق يده في وزراته، عدا ذلك فان فان التيار الوطني الحر يراكم انتصاراته السياسية ويخوض معركة استرداد الحقوق المسيحية، هو بدون شك يبدو مرتاحاً اكثر من اي وقت او مرحلة ماضية بعدما تربع رئيسه «الجنرال» على كرسي بعبدا وهو اليوم يفاوض القوى السياسية لانتزاع الحقوق والقانون والسير بالدولة الى الاصلاح ومحاربة الفساد.
المشهد المسيحي وفق الاوساط هو بدون شك سوريالي لا يجب التوقف عند بعض الشكليات او الملاحظات حوله ، فميشال عون «المنفي «بات رئيساً للجمهورية وسمير جعجع المسجون عاد الى السلطة بعد مصالحة عون ، سمير جعجع بدوره يضاعف انجازاته وخطواته ، فمسار الأمور يسير بتغليب المنعطفات لصالح «قواته» وفي خانة اعادة التوازن المسيحي المفقود، هو الذي خرج «منبوذاَ» ومكروهاً من الشارع ومن بعض الصف المسيحي عاد الى الصدارة مسيحياً، فهو صانع الرؤساء» او احد الصانعين والمطلعين بدور رئيسي في معركة الرئاسة ، أمسك بيده خصمه السياسي واوصله من ضمن التسوية السياسية الى قصر بعبدا، وهو العائد بقوة بعد سنوات السجن والتهميش الى الساحة السياسية بعد المصالحة ليحصد هذه المرة «سياسيا ومسيحياً الى جانب «جنرال الأمس وفخامة الرئيس اليوم» . سمير جعجع كما يقول قواتيون «يتكل على صخرة بعبدا « هو الذي عرف في فترة مناكفته لميشال عون بعبارته الشهيرة «الجنرال بيمون»… يحرص كثيراً على التفاهم الذي اصبح قوي العود منذ الانتخابات الرئاسية وما تلاها من مراحل، فالزيارات بين مقرات التيار الوطني الحر ومعراب صارت شبه يومية، الصور لمسؤولي وقيادات الفريقين المتبادلة على مواقع التواصل الاجتماعي توحي «بغرام مستحيل» تفريقه بموقف من هنا او تصريح من هناك او بخلاف في وجهات النظر حيال ملف الكهرباء او اي ملف آخر.
عندما خيضت على القوات معركة «إلغاء» في شأن حصولها على حقيبة سيادية وقف التيار الوطني الحر الى جانبها تماماً كما وقف حلفاء المردة في عين التينة وحزب الله الى جانب رئيس المردة، فحصلت على ثلاث حقائب وزارية ومنصب نائب رئيس الحكومة، الحصة الوزارية القواتية لم تكن فضفاضة انما ضمن الحصة المتوازنة مسيحياً وحيث استطاع تفاهم معراب على غرار الثنائية الشيعية ان يفرض شروطه الوزارية في تأليف الحكومة ويبقى ان الاستحقاق النيابي سيكون المحطة الفاصلة لهما لاثبات الذات.