IMLebanon

مأزق بشار الأسد

بشار الاسد في مأزق يتجسد في مواقع عدة: من ضعف قواه الذاتية ورؤيته للحلّ، الى حجم الدعم الايراني الضروري لتعزيز دفاعاته، اضافة الى خشيته المضمرة من مآل التنسيق الروسي – الاميركي.

وتؤدي هذه العوامل مجتمعة، وإن بعد حين، الى القضاء على حلم الاسد بالعودة بالبلاد الى ما كانت عليه قبل اندلاع الثورة عام 2011، والذي يظهر في خطابه الاخير امام «مجلس الشعب« المنتخب في نيسان الماضي مع خروج اكثر من نصف مساحة سوريا عن سيطرته، ومع نحو نصف مليون قتيل واكثر من مليوني جريح، اضافة الى دمار تقدر خسائره بنحو 300 مليار دولار، الى جانب انتشار نحو 10 ملايين مهجر في الداخل وما يضاهي نصفهم في الخارج.

صحيح ان الخطاب اتى عالي اللهجة في كل المجالات لكنه منفصل عن الواقع: من الطرح السياسي عبر تمسكه بأولوياته في أول مؤتمرات جنيف، الى قناعته بأن الحلّ آتٍ بانتصار عسكري موهوم.

لقد جدّد الاسد تمسكه بالمبادئ التي اشترطها في اول لقاء مع المعارضة برعاية الامم المتحدة: اولوية القضاء على الارهاب وقيام حكومة وحدة وطنية برعايته، في مقابل مطلب تنظيم الاغاثة الانسانية وقيام هيئة حكم انتقالي كاملة الصلاحيات التنفيذية. لقد تمسك بها رغم ان مشاركته في التفاوض تعني اعترافاً ضمنيًا بوجود معارضات غير ارهابية. وقد نجح بإفشال جولات التفاوض الثلاث، فيما بقيت الرابعة معلقة من دون موعد محدد، معتمدًا على ضعف المعارضة وتفتتها وعدم امتلاكها تصوراً واضحاً.

ومن دلائل مأزقه قوله في الخطاب نفسه ان المفاوضات الفعليّة لم تبدأ بعد، بما يعني ان مشاركته كانت تقطيعًا للوقت، علّه يربح ما يسميه «الحرب على الارهاب«، فلا يكون مجبرًا على اصلاحات فعليّة وتقاسم جديد للسلطة. ومنها تمسكه بأن ما شهدته سوريا في السنوات الخمس الماضية هو مجرد مؤامرة يحاربها بالتحالف مع ايران وروسيا، مغيباً المشكلة الحقيقية: حكمه الديكتاتوري، افقاره الارياف، استشراء الفساد، ولاحقًا معالجته الدموية. 

كذلك من الدلائل خشيته من انعكاسات التوافق الاميركي – الروسي على حلّ سياسي، خصوصًا منذ الاتفاق بينهما على وقف الاعمال العدائية رغم الخروقات الكبيرة وغالبيتها من جانب النظام. وهو الاتفاق الذي قضى على حلم استعادة حلب وان جرى التعويض عليه باستعادة تدمر (سبق له ان تخلى طوعًا عنها ليفاقم تضخيم تنظيم «داعش«). فقد حصره الاتفاق في موقع دفاعي وفق مصدر مطلع على حيثيات التطورات السورية، لفت الى ان الاسد تلقى نصائح روسية بتبني موقف يقتصر على الدفاع عن المكتسبات، مع لفت نظره الى استحالة تجديد قواه العسكرية الذاتية. يضاف الى ذلك ان التدخل الايراني نفسه بات دفاعيًا ولم ينتج آثار تقدم ملموسة، وهو العجز الذي كشفته ضرورة التدخل العسكري الروسي. وما يعمق مأزق الاسد تباين وجهات النظر بين الايرانيين والروس حتى انه يتوجس من وصاية روسية تفرض عليه حلاّ عندما يحين الوقت.

وكما بالنسبة الى تدمر تضاف مكاسب التقدم في الرقة (برعاية روسية) وفي منبج (برعاية اميركية) للتعويض عن وضع حد لتطلعات النظام بتحقيق حل عسكري. فالتوافق بين موسكو وواشنطن يستند أساسًا الى منع انهيار النظام مع السعي لحل سياسي تغييري وان مع بشار مرحليًا. ويعزو المصدر نفسه عدم مساعدة الاسد في استعادة حلب حتى يبقى مرنًا للقبول بتنازلات سياسية. 

ويبقى أوضح دليل على مأزقه، النفي الرسمي لنظامه لما يجري تداوله عن اقتراح الروس دستورًا جديدًا من المفترض ان يتم إقراره في آب المقبل وفق القرار الاممي 2254. وتنص المسودة في ابرز بنودها على حرمان الرئيس من صلاحيات هامة تنتقل الى مجلس وزراء ائتلافي، وكذلك اضافة «جمعيات المناطق« التي تدلّ على لا مركزية موسعه تعتمد نوعًا من الحكم الذاتي.