السياسة الخارجية أهمّ من الداخلية، لأن الأغلاط فيها يمكن أن تكون مكلفة جدا. هذا ما كان يقوله مستشار المانيا الراحل هلموت كول الذي أعاد توحيد بلاده وشمل برعايته انغيلا ميركل في صعودها الى المستشارية. لكن السياسة الخارجية هي انعكاس للسياسة الداخلية. ومن الصعب الحديث عن سياسة خارجية لأي بلد من دون سياسة داخلية واضحة. فكيف اذا كان البلد هو لبنان المنقسم حول السياسات الداخلية والخارجية والذي قيل ان سياسات الخارج تتحكّم به بحيث لم يبق فيه شأن داخلي؟ وكيف اذا كانت بيروت واحدة من الجوائز في اللعبة الجيوسياسية الدائرة في المنطقة، بصرف النظر عما يفعله استنهاض الوطنية اللبنانية والرهان على قدرة كل طرف في صراع المحاور على الحؤول دون ان يأخذ الجائزة أي طرف؟
الواقع ان الخلاف على السياسة الخارجية للبنان أعمق بكثير من السجالات الدائرة حولها. والسجالات ملطّفة ومحدودة بالقياس على المواقف الحادة لدى شرائح واسعة من الناس. فنحن عاجزون عن انتاج سياسة داخلية تستحق اسمها في ادارة شؤون الناس، سواء في الاطار السياسي أو في اطار السياسة المالية والاقتصادية. والنأي بالنفس عن صراعات المحاور وخصوصا عما يدور في سوريا شعار نظري لما يمكن أن يسمّى الخيار بالاضطرار أي تسوية مع ربط نزاع. لكن التجارب كشفت انه حلم في عالم افتراضي، لا حقيقة في عالم واقعي، حيث انقسام اللبنانيين بين المحاور وانخراط حزب الله المباشر في حرب سوريا.
أليس لبعض الطوائف والأحزاب والقيادات سياسات خارجية مستقلة؟ ماذا عن التناقض بين قول الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش في تقريره الى مجلس الأمن ان تسلح حزب الله يشكّل شذوذا في دولة ديمقراطية وخطرا لإمكان جرّ البلاد الى نزاع مسلح، وان تورطّه في سوريا وأماكن أخرى يزيد من الأخطار على استقرار لبنان والمنطقة وبين قول مسؤولين ان سلاح حزب الله يكمل سلاح الجيش في الدفاع عن لبنان وقول الحزب ان انخراطه في حرب سوريا حمى الاستقرار هنا؟ أليس تحت سقف التسوية السياسية من يقفون بوضوح مع المحور الايراني ويدعون الى التنسيق مع دمشق ومن هم ضد المحور الايراني والنظام السوري ومتعاطفون مع محور عربي تقوده السعودية؟
من الطبيعي أن يقال في السجالات ان مجلس الوزراء هو الذي يرسم السياسة الخارجية. لكن ما يستطيع فعله مجلس الوزراء هو النأي بالنفس عن القرارات الفعلية.